وقفة بين يدي مولانا زيد الشهيد بن علي بن الحسين عليهم السلام
وُلد زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام بالمدينة بعد طلوع الفجر
سنة ست وستين أو سبع وستين من الهجرة وأمه أم ولد من السِّند،
وهي أم إخوته عمر الأشرف وعليّ وخديجة اشتراها المختار بن عبيد
الثقفي أيّام ثورته بالكوفة بثلاثين الفاً وبعث بها إلى الإمام زين العابدين عليه السّلام:
يقول عمر الجعفري: كنت أدمن الحج فأمرّ على عليّ بن الحسين
عليه السّلام فأسلّم عليه، وفي بعض حججي غدا علينا عليّ بن
الحسين عليه السّلام ووجهه مشرق فقال: جاءني رسول الله صلّى
الله عليه وآله في ليلتي هذه حتّى أخذ بيدي وأدخلني الجنة
وزوّجني حوراءَ، فواقعتها، فعَلقَت؛ فصاح بي رسول الله صلّى الله عليه وآله:
يا عليّ بن الحسين، سمِّ المولود منها زيداً. فما قمنا من مجلس عليّ
بن الحسين عليه السّلام ذلك اليوم وعليّ يقصّ الرؤيا؛ حتّى أرسل
المختار بن أبي عبيد بأمّ زيد هدية إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام
اشتراها بثلاثين الفاً؛ فلما رأينا إشفاقه بها تفرّقنا من المجلس؛
ولما كان من قابل حججت ومررت على عليّ بن الحسين عليه السّلام
لأسلّم عليه، فأخرج زيداً على كتفه الأيسر وله ثلاثة أشهر وهو
يتلو هذه الآية ويؤمئ بيده إلى زيد: هذا تأويلُ رؤيايَ مِن قَبلُ قد جعلَها ربّي حقاً .
اما اسم أمه قيل حوراء وقيل غزالة، وقيل جيداء وقيل جيد.
وتسمية زيد من الله سبحانه وتعالى على لسان الأمين جبرئيل،
الى النبيّ صلّى الله عليه وآله حينها حدّثه بما يجري على ولده ( صليب الكناسة ) .
في حديث أبي ذر الغفاري وقد دخل على النبي صلّى الله عليه
وآله فرآه يبكي فرقّ له وسأله عما أبكاه، فأخبره بأنّ جبرئيل عليه
السّلام هبط عليه وأخبره أن ولده الحسين عليه السّلام يُولَد له
ابن يُسمّى علياً ويُعرف في السماء زين العابدين، ويولد له ابن يسمى زيداً يُقتل شَهيداً.
وفي عن عليّ عليه السّلام: أخبرني رسول الله صلّى الله عليه
وآله بقتل الحسين عليه السّلام وصلب ابنه زيد بن عليّ عليه السّلام.
قلت له: أترضى يا رسول الله يقتل ولدك ؟ قال: يا علي، أرضى بحكم
اللهِ فيَّ وفي ولدي، ولي دعوتان: أمّا الاولى فاليوم، والثانية إذا عُرضوا
على الله عزّوجلّ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا عليّ، أَمِّن على
دعائي: اللهمّ أحصِهم عدداً، واقتُلهم بَدداً، وسلِّط بعضَهم على بعض،
وامنَعهم الشرب من حَوضي ومُرافقتي؛ ثمّ قال: أتاني جبرئيل
وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمِّن فقال: لقد أُجيبتْ دعوتُكما .
وعن حذيفة بن اليمان: نظر النبيّ إلى زيد بن حارثة فقال: المظلوم
من أهل بيتي سَمِيّ هذا، والمقتول في الله والمصلوب سَميّ هذا.
وأشار إلى زيد بن حارثة؛ ثمّ قال: ادنُ منّي يا زيد، زادك الله حبّاً عندي،
فأنت سَميّ الحبيب من ولدي .
قال ابن ادريس: روى ابن قولوية عن بعض أصحابنا، قال:
كنت عند عليّ بن الحسين عليه السّلام، وكان إذا صلّى
الفجر لم يتكلّم حتّى تطلع الشمس، فجاءه يومَ وُلد فيه زيد
فبشّروه به بعد صلاة الفجر فالتفت إلى اصحابه فقال: أيّ شيء
ترون أن أُسمّي هذا المولود ؟ فقال كلّ رجل سمِّه كذا، فقال:
يا غلام عَليَّ بالمصحف، فجاءوا بالمصحف فوضعه في حِجره
ثمّ فتحه فنظر إلى أول حرف في الورقة، فإذا فيه وفَضّل اللهُ
المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما ثمّ فتحه ثانيا فنظر،
فإذا أول الورقة إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم
بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتَلون وعداً
عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن ومَن أوفى بعَهده من الله
فاستَبشِروا ببيعكمُ الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ثمّ
قال: هو والله زيد، هو والله زيد، فسُمّي زيداً.
ونلاحظ هنا ان السجاد عليه السّلام اعتمد في
التسمية على الآيتَين الواردتين في فضل المجاهدين ،
وهو امر هو معلوم لديه عن آبائه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله،
بأنّه يُولَد له ولد يسمّى زيداً ويُقتَل شهيداً في الجهاد
حيث يقول « هو والله زيد، هو والله زيد »، .
يلقّب زيد الأزياد إشارة إلى أنه المفضل على كلّ من
سُمّي بهذا الاسم عبر التاريخ في أعماله الحسنة .
وكانت كنيته المعروف بها أبا الحسين أحد أولاده، وهو ذو الدمعة .
يقول المؤرخون عن صفته :
كان تامّ الخلق، طويل القامة، جميل المنظر، أبيض اللون،
وسيم الوجه؛ واسع العينَين؛ مقرون الحاجبيَن، كَثّ اللحية،
عريض الصدر، بعيدَ ما بين المنكبين، دقيق المسربة، واسع
الجبهة، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية إلا أن الشيب
خالط عارضَيه وكان الوابشي يقول: إذا رأيت زيد بن عليّ
رأيت أسارير النور في وجهه .
وكان نقش خاتمه ( اصبر تُؤجَر، اصدق تَنْجُ )،
نشأ زيد الشهيد في رعاية أبيه السجاد عليه السّلام
وتعلم منه ومن الإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام،
ومنهم أخذ المعارف و الاحكام فكان من علماء ال محمد ( ص ) .
يقول أبو حنيفة: ( شاهدت زيد بن عليّ كما شاهدت أهله،
فما رأيت في زمانه أفقَه منه ولا أسرع جواباً ولا أبيَن قولاً ) .
وحدّث أبو خالد الواسطي وأبو حمزة الثمالي فقالا: حبرنا
رسالة في الردّ على الناس، ثمّ خرجنا إلى المدينة فدخلنا
على محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام فقلنا: جُعلنا فداك،
إنّا حبرنا رسالة ردّاً على الناس، فقال: اقرأوها، فقرأناها، قال:
لقد أجدتُم واجتهدتم، أفهل أقرأتموها زيداً ؟ قلنا: لا. قال:
اقرأوها عليه وانظروا ما يردّ عليكم. فدخلنا على زيد قلنا:
جُعلنا فِداك، رسالة حبرناها في الردّ على الناس جئناك بها.
قال: اقرأوها، فقرأناها عليه حتّى إذا فرغنا منها قال: يا أبا
حمزة وأنت يا أبا خالد، لقد اجتهدتم، ولكنها تكسر عليكم،
وما زال يردّها حتّى فرغ من آخرها حرفاً حرفاً، فوالله ما ندري
من أيّ شيء نتعجّب: من حفظه لها أو من كسرها، ثمّ أعطانا
جُملة من الكلام نعرف به الرد على الناس. قالا: فرجعنا إلى
محمّد بن عليّ عليه السّلام فأخبرناه ما كان من زيد، قال:
يا أبا خالد وأنت يا أبا حمزة، إنّ أبي دعا زيداً فاستقرأه القرآن
فقرأ، وسأله عن المعضلات فأجاب، ثمّ دعا له وقَبّل ما بين
عينيه. ثمّ قال: يا أبا خالد وأنت يا أبا حمزة، إنّ زيداً أُعطي
من العِلم مثل ما علينا بسطه.
ومِن أمر الباقر عليه السّلام بعرض الرسالة على زيد نعرف
مقدار مكانته وأنّه ممّن يستحق اظهار العلم وصلوحه لتلك
المهمة، أراد اظهار فضله أمام شيعته ليجب عليهم القيام بحقّه ومنزلته .
و يُؤثَر عنه من الكتب والتآليف رغم تعاقب الاجيال وتفرّق
الكتب وضياعها ولكن نذكر هنا بعض ما وجدنا الإشارة إليه :
1 ـ المجموع الفقهي
2 ـ المجموع الحديثي ـ مختصّ بالحديث .
3 ـ تفسير غريب القرآن ـ في الروض النضير ج 1 ص 65 .
4 ـ إثبات الوصية ـ في الروض النضير .
5 ـ قراءته الخاصّة جمعها إمام النحاة أبو حيّان في كتاب
سمّاه ( النيّر الجليّ في قراءة زيد بن عليّ )، .
6 ـ قراءة جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ـ رواها عنه
عمر بن موسى الوجهي كما في فهرست الشيخ الطوسي، .
7 ـ كتاب مدح القلّة وذمّ الكثرة ـ .
8 ـ منسك الحج ـ .
وغيرها ....
كان مصدراً لجمع من العلماء من حملة الآثار وعليه مُعوّلهم،
لما عرفوا منه غزارة في العلم ونزاهة .
وقد عرف بزهده وعبادته فقد قال أبو الجارود: قدمت المدينة
فجعلت كلما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك
أسطوانة المسجد، من كثرة صلاته .
عن الحافظ عليّ بن محمد بن عليّ الخزاز الرازي في
( كفاية الأثر ) عن عمير بن المتوكل بن هارون البلخي،
عن أبيه، عن يحيى بن زيد، وفيه قول يحيى للمتوكّل: يا عبد الله،
إنّي أخبرك عن أبي وزهده وعبادته، إنّه كان يصلّي الفريضة،
ثمّ يصلّي ما شاء الله، ثمّ يقوم على قدمَيه يدعو الله إلى الفجر
يتضرّع له ويبكي بدموعٍ جارية حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر
قام وصلّى الفريضة، ثمّ جلس للتعقيب إلى أن يتعالى النهار؛
ثمّ يقوم في حاجته ساعة، فإذا كان قرب الزوال قعد في مصلاّه
سبّح الله ومجّده إلى وقت الصلاة، وقام فصلّى الاولى وجلس
هنيئة، وصلّى العصر وقعد في تعقيبه ساعة ثمّ سجد سجدة،
فإذا غابت الشمس صلّى المغرب والعتمة: قلت: كان يصوم دهره؟
قال: لا، ولكنه يصوم في السنة ثلاثة أشهر، وفي الشهر ثلاثة أيّام.
قلت: وكان يُفتي الناس ؟ قال: ما أذكر ذلك عنه.
رغم أننا لا نعدّه من الشعراء ولكن كان أحيانا يجري على
لسانه الشعر ومن هذا قوله في رثاء الباقر عليه السّلام :
ثـوى باقر العلم في مَلحدٍ إمـامُ الورى طيّب المولدِ
فمَن لي سوى جعفر بعده إمامِ الورى الأوحدِ الأمجدِ
أبا جعفر الخير أنت الإمام وأنت المُرَّجى لبلوى غدِ
ومرة مر بجماعة من قريش سمعهم يفضّلون قوماً على
عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فبعث ابيات إليهم :
ومَـن فـضل الأقـوامَ يوماً برأيه فــإنّ عـليّاً فـضّلته الـمناقبُ
وقـولُ رسـول الله والـقولُ قوله وإن رغـمتْ منه الأُنوف الكواذبُ
دعـاه بـبدرٍ فـاستجابَ لأمـره كهارونَ من موسى أخٌ لي وصاحبُ
فـما زال يـعلوهم بـه وكـأنّهم شـهـاب تـلقّاه الـقوانس ثـاقبُ
وقال ابن عساكر في تاريخ الشام:
لما خرج زيد بن عليّ من مجلس هشام وقد دار الكلام
بينهما في أمر الخلافة أنشأ يقول:
مـهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا سـيروا رُوَيداً كما كنتم تسيرونا
لا تـطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم وأن نـكفّ الأذى عنكم وتُؤذونا
اللهُ يـعـلم أنّــا لا نـحـبّكمُ ولا نـلـومـكمُ ألاّ تُـحـبّونا
كلّ امرءٍ مولع في بُغض صاحبه فـنـحمد الله نَـقلُوكم وتـقلونا
وقوله في رثاء الباقر عليه السّلام:
يا موتُ أنت سلبتني إلفا قـدّمته وتـركتَني خَلْفا
واحـسرتا لا نلتقي أبداً حـتّى نقوم لربّنا صفّا
وكان زيد معروفاً بالفصاحة وسرعة الجواب في تأدية
المعاني على أبلغ وجه، وكان كلامه يشبه كلام جدّه
عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، .
ومن هنا وجدنا أن هشام بن عبد الملك لم يزل منذ دخل
زيد الكوفة يبعث الكتاب أثر الكتاب إلى عامل العراق،
يأمره بإخراج زيد من الكوفة ومنع الناس من حضور مجلسه،
لأنّه الجذّاب للقلوب بعِلمه الجمّ وبيانه السهل، وأنّ له لساناً
أقطع من السيف وأحدّ من شبا الأسنّة، وأبلغ من السحر
والكهانة ومن النفث في العُقد .
و من خطبه حدّث أبو الجارود قال: خطب زيد بن عليّ عليه
السّلام أصحابه حين الخروج فقال: « الحمدلله الذي منّ
علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوباً عاقلة وأسماعاً واعية، قد
أفلح مَن جعل الخير شعاره والحقّ دِثاره، وصلّى الله على
خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربّه وصدّق به الصادق
[محمّد]؛ وعلى آله الطاهرين من عترته وأُسرته، والمنتجبين من أهل بيته.
أيّها الناس، العَجَل العَجَل قبل حُلول الاجل، وانقطاع الأمل، فوراً..
كم طالب لا يفوته هارب إلاّ هرب منه إليه، ففِرّوا إلى الله بطاعته،
واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصّركم ودعاكم إليه
وأنذركم، وأنتم اليوم حجّة على مَن بعدكم، إن الله يقول: ليتفقّهوا
في الدِّينِ وليُنذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يَحذرون . ولا تكونوا
كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا
واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم. عِبادَ الله،
إنّا ندعوكم إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نُشرك به
شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مِن دون الله سبحانه وتعالى، إنّ الله
دمّر قوماً اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
عباد الله، كأنّ الدنيا إذا انقطعت وتقضّت لم تكن، وكأنّ ما هو كائن قد نزل،
وكأن ما هو زائل قد رحل، فسارعوا في الخيرات واكتسبوا المعروف
تكونوا مِن الله بسبيل، فإنّ من سارع في الشر واكتسب المنكر ليس من الله في شيء.
أنا اليوم أتكلّم وتسمعون ولا تنصرون، وغداً بين أظهركم هامة فتندمون،
ولكن الله ينصرني إذا ردّني إليه، فهو الحاكم بينا وبين قومنا بالحق،
فمن سمع دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومَن يليه
من أهل الباطل لادّعائهم الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله
من أولئك بريء؛ وهو يحكم بيننا وبينهم. إذا لقيتم قوماً فادعوهم إلى
أمركم؛ فإن يُستجبْ لكم برجلٍ واحد خيرٌ مما طلعت عليه الشمس
من ذهب وفضة؛ وعليكم بسيرة أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة؛
لا تتبعوا مُدبراً؛ ولا تُجهزوا على جريح؛ ولا تفتحوا باباً مغلقاً، والله على
ما نقول وكيل.
عبادَ الله، لا تقاتلوا عدوكم على الشكّ فتضلّوا عن سبيل الله، ولكن
البصيرة ثمّ القتال؛ فإنّ الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به
على حقّ؛ إنّه مَن قتل نفساً يشكّ في ضلالتها كمن قتل نفساً بغير
حق. عباد الله البصيرة ثمّ البصيرة.
قال أبو الجارود: قلت له: يا بن رسول الله، الرجل يبذل نفسه على
غير بصيرة؛ قال: نعم، أكثر مَن ترى عشقت قلوبهم الدنيا والطمع
أرداهم إلا القليل، والذين لا يحضرون الدنيا على قلوبهم ولا لها
يسعون أولئك مني وأنا منهم.
وأيضاً توجد رسالة مهمة مما قاله زيد بن علي مُخاطباً علماء الأمة
: « أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم
ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم.
فيا علماء السوء، محوتم كتاب الله محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً،
فَنَدَّ والله نَدِيْدَ البعير الشَّارِد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكت
دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي ، ورُفِعَت رؤوسهم فوق
الأسِنَّة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب،
وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد ».
ثم حصلت المواجهة .....
بعث يوسف بن عمر القائد الأموي بعض رجاله إلى شوارع الكوفة
لإثارة الرعب ودعوة الناس إلى الاجتماع في المسجد الأعظم وبث
الإشاعات عن الجيش القادم من الشام.
ولكن زيد توجه مع أنصاره لرفع الحصار عن أهل المسجد وطمأنة أهل
الكوفة، وفي طريقه إلى المسجد وقعت بينه وبين جند الأمويين مواجهة
كان النصر فيها حليفه، ولما وصل إلى جوار المسجد نادى أصحابه بشعاره
(يا منصور أمت) وأدخلوا الرايات من نوافذ المسجد، وكان نصر بن خزيمة
ينادي: « يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ومن الضلال إلى الهدى
اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم على واحد منها »، ولكنهم
حنوا إلى طبعهم القديم (الغدر والخيانة)، واعتذروا بالحصار الموهوم.
وانتشر أصحاب زيد في الكوفة وأمرهم زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن.
وأخذ يطارد جند الأمويين لتطهير الكوفة منهم، وفجأة ظهر جنود الأمويين
القادمون من الحِيْرة فاشتبك أصحاب الإمام معهم واستبسلوا وقاتلوا
قتالا شديداً حتى ردوهم على أعقابهم، ثم جمع زيد أصحابه ونادى فيهم
: « انصروني على أهل الشام فو اللـه لاينصرني رجل عليهم إلا أخذت بيده
حتى ادخله الجنة، ثم قال: واللـه لو علمت عملا هو أرضى لله من قتال
أهل الشام لفعلته، وقد كنت نهيتكم أن لاتتبعوا مدبراً و لاتجهزوا على
جريح و لاتفتحوا باباً مغلقا ».
واستمرت المواجهة بين المعسكرين، وكان جنود الأمويين يتزايدون بينما
كان جند زيد ينقصون، والتفت زيد إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف
أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني اللّه فداك أما
أنا فو اللـه لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!!
استبسل زيد وأصحابه وقاتلوا قتال المستميت فلم يجرؤ أحد على مواجهتهم
أو مبارزتهم، وحين شعر الأمويون أنه لا قدرة لهم على المواجهة تحصنوا خلف
الكثب والجدران، وأخذوا يمطرون الإمام زيد وأصحابه بوابل من السهام.
وأخذت الشمس في الغروب، وألقى الليل بظلامه وأثناء ذلك سُمِع صوت
زيد قائلا: الشهادة.. الشهادة.. الحمد لله الذي رزقنيها! فهرعوا إلى مكان
الصوت، فإذا بزيد العظيم مُضَرَّجاً بدمه، قد أصيب بسهم في جبهته، .
في سنة ( 121 هجرية ) استشهد زيد بن علي بن الحسين بن علي
بن ابي طالب(ع) في الكوفة وقيل كانت وفاته في 1/صفر او 3/صفر
وبعد ان دفن (ع) نبش قبره واخرج جثمانه الطاهر وجروه على الارض
وصلبوه وبقي مصلوباً اربع سنين عرياناً حتى نسج العنكبوت عليه وستر عورته .
السلام عليك يا حليف القران ....
السلام ايها الشهيد الثائر ....[center]