هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المنتدى العالمي للسادة الأشراف الشاذلية المشيشية
المنتدى الرسمي العالمي للسادة الاشراف أهل الطريقة الشاذلية المشيشية - التي شيخها المولى التاج المقدس العميد الاكبر للسادة الاشراف أهل البيت مولانا السيد الإمام نور الهدى الإبراهيمي الاندلسي الشاذلي قدس الله سره
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:08
ولو أن رجلا اشترى مسكناً ليكريه، ثم بدا له فجعله للسكنى لم تجب في قيمته الزكاة. قال أبو العباس: وعلى هذا إن اشترى إبلاً أو غيرها من المواشي للتجارة ثم خلاَّها سائمة فقد حالت عن التجارة، يعني أن الزكاة تجب في أعيانها لا في قيمتها كسائر السوائم/80/، وإن اشتراها لغير التجارة ثم نوى أنها للتجارة لم تصر كذلك بالنية؛ لأن النية لا تصير لها حكم التجارة. قال رحمه اللّه: فإن اشترى في آخر السنة شيئاً للتجارة وعنده قبله من السلع ما تجب في مثله الزكاة، ضم ما اشتراه ثانياً إلى الأول بحوله، وزكاهما ولو لم يبق من الحول إلا ساعة واحدة. قال: وكذلك كل فائدة من ذهب أو فضة ونتائج وسوائم أو غيرها. قال: فإن كان عنده من مال التجارة ما تنقص قيمته عن النصاب، ومن العين ما ينقص عنه ضمها إليه، ولم يضم المواشي. قال رحمه اللّه: وتُقَوَّم السلع بما يكون أنفع للمساكين من الدراهم والدنانير، فإن تساويا قُومت بأي النوعين شاء. قال القاسم عليه السلام: لا يزكي المُضَارِبُ مال المضاربة إلا بأمر صاحب المال، فإن أخرجها بغير أمره كان ضامناً لها. قال: وعلى المضارب زكاة الربح الذي يخصه إذا بلغ النصاب.
باب ما يؤخذ من أهل الذمة
أهل الذمة مختلفون فمنهم: نصارى بني تغلب، ومنهم سائر الأصناف الذين عُوْهِدُوا على أخذ الجزية منهم، وجعلت لهم الذمة بذلك، وما يؤخذ من هؤلاء الذين هم سوى بني تغلب ينقسم، فمنه ما يؤخذ من رؤوسهم، ومنه ما يؤخذ من أموالهم، فأما ما يؤخذ من رؤوسهم فهي الجزية، وهي تؤخذ على الطبقات من المياسير والأوساط والفقراء، فيؤخذ من دهَاقينهم وأغنيائهم على كل رأس ثمانية وأربعون درهماً، وممن دونهم في اليسار أربعة وعشرون درهماً، ومن فقرائهم اثنا عشر درهماً، ويؤخذ ذلك ممن يقاتل منهم ويقتل إذا لم يقبل الجزية دون غيره من النساء والصبيان والمماليك. قال أبو العباس رحمه اللّه: الشيخ الهِمّ والزَّمِناللذان لايستطيعان القتال، حكمهما حكم النساء والصبيان في سقوط الجزية عنهما، على اعتلال يحيى عليه السلام، وحُكِيَ ذلك عن محمد بن عبد الله، وكذلك المُقْعَد. وأما ما يؤخذ من أموالهم فهو نصف عشر ما يأتي به تجارهم من بلد إلى بلد. قال أبو العباس: ما ذكره عليه السلاممن أن ذلك يؤخذ ممن أتى/81/ من بلد شاسع، ليس المراد به أنَّه شرط فيما يؤخذ منهم، وإنما الاعتبار بأن يحملوا تجارتهم من بلد إلى بلد، وقد بين ذلك في آخر كلامه بقوله: وإن خرجوا إلى غيره أخذ منهم. قال محمد بن عبد الله في (سيرته) : يؤخذ من الحَرْبِيّ المستأمن، العشر. قال أبو العباس: وما يؤخذ منه ذلك يجب أن تكون قيمته قد بلغت النصاب. قال رحمه اللّه: وما يمر بهالذمي والحربي من خمر أو ميتة أو خنزير لم يؤخذ منه شيء. قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس -: لا يؤخذ منهم نصف العشر في السَّنَة إلا مرة واحدة، وإن مروا بمالهم مراراً، وأما نصارى بني تغلب فإنهم قد أُعفوا من الجزية وصُولحوا على أن يؤخذ من أموالهم ضعف الزكاة المأخوذة من أموال المسلمين، فيؤخذ منهم من الذهب والفضة إذا بلغ النصاب نصف العشر، ومن الإبل إذا بلغت خمساً شاتان، ومن البقر إذا بلغت ثلاثين تبيعان، ومن الغنم إذا بلغت أربعين شاتان، ومما تخرجه الأرض إذا بلغت خمسة أوسق عُشْران أو عشر واحد بحسب السقي، ويؤخذ ذلك من صبيانهم ونسائهم. قال أبو العباس: كلام يحيى يقتضي أن الذمي إذا أسلم في أول السنة أو في آخرها سقطت الجزية عنه تلك السنة، وأن الذمي إذا مات سقطت الجزية التي كانت واجبة عليه ولا يطالب بها ورثته، وإنها إذا تأخر استئداؤها منه لغيبة أو لغير ذلك لم يُطالب بما مضى وإنما يُطالب بخراج سَنَتِه.
باب تقديم الزكاة
قال القاسم عليه السلام في مسائل علي بن العباس: لا بأس بتعجيل الزكاة للسنة والسنتين. قال أبو العباس: تجويزه عليه السلام تقديهما قبل الحول إيجاباً منه إياها موسعاً. قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه عنه أبو العباس -: وإن أخرج من مائتي درهم خمسة دراهم، ثم حال الحول وليس عنده غير باقيها؛ لم يكن ما أخرجه من الفرض؛ لأن الحول حال وليس عنده مائتي درهم. قال رحمه اللّه: وكذلك إن أخرج من مائتي درهم خمسة دراهم. قال رحمه اللّه: وهذه الخمسة إن كانت باقية بعينها في يد المصدق فقد تم النصاب بعد الحول، فيجعلها من فرضه، وإن تلفت فهي دين/82/ على المصدق، والدين لا يمنع الزكاة، فيحتسب بها من زكاته، وإن كان أخرجها إلى المساكين وقد تطوع بها عليهم فلا يرجع فيها، وليس حكمهم حكم المصدق؛ لأنَّه وكيل في قبضها. قال رحمه اللّه: وعلى هذا إن عَجَّل من ثلاثين بقرة تبيعاً إلى المصدق، وكان قائماً بعينه بعد الحول؛ فهو من زكاته، وإن استهلك كان مضموناً على المصدق، أو في بيت المال إن كان دفعه إلى الإمام؛ لأنَّه قد تحول قيمته فلا يضاف إلى البقر وهي من غير جنسه كالدين يضاف إلى جنسه، وإن دفعها إلى المساكين كان متطوعاً. قال رحمه اللّه: وإن نتجت التبيعة عجلاً وكانا قائمين بعد الحول فهما زكاة، وإن نقص من البقر واحد قبل الحول أخذ العجل حتى تتم ثلاثون بعد الحول، فإن استهلكها المصدق ضمنها. قال رحمه اللّه: وسواء النقد والمواشي في تقديم زكاتهما. قال: وإن عجل زكاة ما يملكه وما لا يملكه من المال معاً لم تجز عن واحد منهما، فإن عجل عشر ما يخرج من الأرض قبل خروجه لم يجزه، كما إذا أخرج زكاة مالم يملكه من المال، وكذلك إن أخرج زكاة الماشية وما في بطنها. قال رحمه اللّه: وإن قدم الزكاة بغير نية الفرض، أو نية التطوع لم تجزه.
باب ذكر أهل الصدقات
أهل الصدقات ثمانية أصناف، فمنهم: الفقراء: وهم الذين لا يملكون القدر الذي لا يستغنى عنه، كالمنزل وثياب الأبدان والخادم. قال أبو العباس: وسواء بلغ ذلك ما يكون قيمته قدر النصاب أوكان دونه. والمساكين: وهم أهل الفاقة والضراء الذين يقصر حالهم عن حال الفقراء، ولا يملكون القدر الذي ذكرنا. والعاملون عليها: وهم السُّعاة في جبايتها وجمعها. قال محمد ابن القاسم فيما حكاه عنه أبو العباس: هم يجرون مجرى الأجراء، وإن لم يكن ذلك إجارة محضة؛ لأن ما يأخذونه ليس على عمل معلوم. وقال رحمه اللّه: ويستوى في ذلك حال الغني والفقير، لأنهم يأخذون منها على العَمَالة، إلا مَنْ لا تحل له الصدقة من آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، فإنهم لا يعطون منها على العمالة، وروى محمد بن القاسم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنَّه منع بني هاشم من تولي عمالتها، ولما/83/ سئل عن ذلك قال: (( إنها غسالة أوساخ النَّاس )) . والمؤلفة قلوبهم: وهم أهل الدنيا المائلون إليها، الذين لا يتبعون المحقين إلا على ما يُعْطَون منها، ولا يستغني الإمام عنهم، إما انتصاراً بهم، أو تخذيلاً لهم عن معاونة الأعداء، فيتألفهم كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتألفهم. وفي الرقاب: وهم المكاتبون يُعانُون على أداء الكتابة من مال الصدقة على قدر حاجتهم وضعفهم، إذا كانوا من أهل الدين ولم يكونوا فساقاً، وعلى هذا حمل يحيى بن الحسين ما في الآية من ذكر الإيتاء. والغارمون: وهم الذين لزمتهم الديون من غير سرف ولا إنفاق في معصية. ومن يُعْطَى في سبيل اللّه، فهم: المجاهدون يعطون منها ما يتقوون به، ويصرفونه إلى سلاحهم وكراعهم ونفقاتهم، ويصرف أيضا من هذا السهم إلى سائر مصالح المسلمين المقربة إلى اللّه تعالى، نحو إصلاح طرقهم وبناء مساجدهم وحفر الآبار والسقايات، وتكفين موتاهم إذا فضل عما ذكرنا. وبنو السبيل: وهم مارة السبيل المسافرون الذين بعدوا عن أوطانهم، فلا يجدون ما يوصلهم إلى أهاليهم فيعطون ما ينفقونه ويحتملون به إلى بلادهم، وإن كان لهم أموال في أوطانهم، وكلما استغنى صنف من هذه الأصناف صرف سهمه إلى غيره من سائر الأصناف المحتاجين على ما يراه الإمام، وإن رأى صرف جميع الصدقات إلى صنف واحد من هذه الأصناف جاز ذلك. قال القاسم عليه السلام - فيما حكاه أبو العباس -: لا يُعطى شيئا من هذه الصدقات إلا من كان موافقاً في الدين، فأما المخالف فلا يجوز صرفها إليه. وحكى رحمه اللّه عن محمد بن يحيى: أن من لا يعلم منه خلاف أُعْطِيَ على ظاهر الإسلام. ومن دفع إلى إنسان صدقة ماله وهو فقير ثم أيسر بها أو بغيرها قبل الحول أو بعده؛ فقد نفذت الصدقة وأجزت، نصّ عليه محمد بن يحيى على ما حكاه عنه أبو العباس، ويجوز دفع الصدقة إلى ولي اليتيم لينفقها عليه إذا كان مؤتمناً، على ما ذكره أبو العباس.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:08
باب ذكر من لا تحل له الصدقة
الذين لا تحل لهم الصدقة صنفان: فصنف تحرم عليهم لأنسابهم/84/، وصنف تحرم عليهم لأحوالهم. فالصنف الأول: هم آل رسول اللّه صلى اللّه عليه، وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس بن عبد المطلب، وكذلك آل الحارث بن عبد المطلب؛ لأنهم يجرون مجرى آل العباس في الإنتساب إلى بني هاشم، وإنما اقتصر يحيى على ذكر البطون الأربعةلأن جُلّ بني هاشم وجمهورهم هؤلاء، وقد نبه بذكرهم على من لم يذكره منهم، فهؤلاء لا تحل لهم الصدقة على وجه من الوجوه لاختصاصهم بهذا النسب، ومن اضطر منهم إلى تناولها؛ وكان تناول الميتة يضره، فإنه يتناول منها على سبيل الإستقراض، ويرد ذلك متى أمكنه، وقد روى أصحابنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لأبي رافع: (( لا تحل الصدقة لآل محمد؛ ومولى القوم منهم )) . فأما الصنف الآخر وهم الذين لا تحل لهم الصدقة لأحوالهم: فمنهم من لا تحل له لحال هو عليها، فإذا فارقها حلت له، نحو أن يكون على دِيْنٍ باطل أو فسق، أو يكون مالكاً للقدر الذي تجب فيه الزكاة. ومنهم من لا تحل له لحال هو عليها من جهة، وتحِل له من جهة أخرى، نحو من يلزم الغير نفقته، فإن ذلك الغير لا يحل له إخراج زكاته إليه، ولا يجوز له أخذها منه، ويحل له أخذ الزكاة من غيره. قال القاسم عليه السلام في (مسائل النيروسي) : لا يجوز أن يعطى الزكاة مشركاً، ولا مبدياً لتشبيه اللّه بخلقه. وقال محمد بن يحيى في (الإيضاح) : لا يُعْطَى العشر فاسق ذو كبيرة وإن كان فقيراً. وقال في (مسائل العوقي) : من كان يعطي زكاته المنافقين والسفهاء ثم تاب فإنه يكون ضامناً لها. وقال يحيى عليه السلام: لا يجوز أن يعطي الرجل زكاته أباه ولا أمه ولا ولده ولا زوجته ولا أحداً من أقاربه الذين تلزمه نفقتهم، فأما ذووا أرحامه وأقاربه الذين لا يلزمه نفقتهم، فإنه يعطيهم وهم أحق بها من الأجانب. قال عليه السلام في (الأحكام) : فإن كان أقاربه مخالفين في الدين، فالأباعد من المؤمنين أحق بها. قال محمد بن القاسم - فيما حكاه عنه أبو العباس -: يجوز أن تعطي المرأة زوجها من زكاتها، ولا يجوز أن يعطي الرجل زكاته مملوكه ولا مُدَبَّرهولا أم ولدهإلا أن يكون قد ثبت عتقهم. والفقير الذي لا يملك النصاب لا فرق بين أن يكون/85/ قوياً في بدنه متمكنا من الكسب، وبين أن يكون ضعيفاً، في جواز دفع الزكاة إليه. ولا يجوز أن يدفع إلى أحد من الفقراء إلا دون النصاب، ولا يجوز أن يعطى الزكاة مَنْ عنده - من أي أصناف الأموال كان - ما تجب فيه الزكاة. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيمن له دين على فقير -: لا يجوز له أن يحتسب به من صدقته حتى يقبضه ثم يرده إليه إن أحب، ويجوز دفع الزكاة إلى عبد له مولى فقير، على قياس قول يحيى عليه السلام.
باب كيفية استيفاء الزكاة وإخراجها إلى مستحقيها
إذا كان في الزمان إمام حق فإليه استيفاء الزكوات كلها من أصناف الأموال الظاهرة والباطنة، أو إلى من يلي من قِبَلِه، وله أن يجبر أربابها على حمل الزكوات إليه، وأن يستحلف من يتهمه بإخفائها، فإن أخرجها رب المال مع علمه لمطالبة الإمام لم تجزه. فإن أبطأ المصدق على أرباب الأموال فأخرجوها إلى مستحقيها أجاز المصدق لهم بعد أن يُعْلِمهم أنهم إن عادوا لمثله لم يجزْ لهم، فإن ادعوا أنهم أخرجوها ولم يكن المصدق تحقق ذلك طالبهم بالبينة وبحث عن الحال، فإن صح ما ادعوه وإلا طالبهم بها وأخذها منهم. فإن لم يكن في الوقت إمام حق، وجب على أرباب الأموال أن يفرقوها في مستحقيها. ولا ينبغي أن تخرج زكاة مال لأهل بلد إلى بلد سواه وفيهم فقير مستحق، فإن لم يكن فيهم مستحق جاز ذلك، وكذلك إن رأى الإمام إخراجها إلى مكان آخر وجب أن يعمل على ما يراه. ولو أن رب المال عزل زكاة ماله فهلكت لزمه الضمان، وكذلك إن أخرجها ليحملها إلى بلد الإمام فهلكت في الطريق لزمه الضمان، ولو سلمها إلى الإمام أو وكيله فتلفتت لم يضمنها، وكذلك لو قال له وكيل الإمام: إعزل زكاة مالك فعزلها فتلفت ضمنها، وإن تسلمها من الإمام أو من وكيله فتلفت لم يضمنها، وكذلك لو تسلمها الإمام أو وكيله من صاحب المال ثم ردها إليه وجعلها وديعة عنده فتلفت لم يضمنها. وينبغي للمصدق إذا ورد المناهل أن يقسم المواشي التي يريد أخذ زكاتها قسمين، ويخير صاحبها فيهما فيترك القسم الذي يختاره ويأخذ الصدقة من القسم الآخر، وكذلك يفعل في العنب، يجعله على عشرة أجزاء خمسة منها على حدة، وخمسة منها على حدة/86/، ويخير صاحبها فيها، فيترك الخمسة التي يختارها، ويأخذ الصدقة من الخمسة الباقيه، وكذلك يفعل في التمر إذا أراد أخذ الصدقة منه بالخرص، على قياس قول يحيى عليه السلام، ويعدل في جميع ذلك بين الجيد والرديء والوسط. وإذا جاء المصدق إلى صاحب الغلة فوجده قد باع غلته وهي قائمة بعينها في يد المشتري، أخذ المصدق الصدقة من عينها، ويرجع المشتري على البائع بقيمة ما أخذه منه، وإن كان المشتري قد استهلكها أخذ مثلها أو قيمتها من البائع أو من المشتري على ما يختاره، فإن أخذ ذلك من المشتري رجع على البائع به، وإطلاقُ يحيى القول بإنه يأخذ الصدقة من البائع إن كان المشتري قد استهلك الغلة، المرادُ به أنَّه يأخذها من البائع إن اختار ذلك، حتى لا يحتاج المشتري إلى أن يرجع على البائع بها، لا أنَّهلا يجوز له أخذها من المشتري، فمذهبه في سائر المغصوب إذا استهلكتيقتضي ذلك. ولرب المال أن يشتري من المصدق ما أخذه منه من الصدقة. ولا ينبغي للمصدق أن ينزل على من يأخذ منه الصدقة، ولا أن يقبل له هدية، فإن أخذ ذلك كان مردوداً إلى بيت المال؛ إلا أن يكون الإمام قد أذن في ذلك لبعض عُمَّاله لمصلحة يراها فيه.
باب زكاة الفطر
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم عن نفسه وعن كل عيال كانوا له من المسلمين من صغير أو كبير ذكر أو أنثى حُرٍّ أو مملوك. وهي تلزم من كان يملك يوم الفطر قوت عشرة أيام لنفسه ولعياله، وإن ملك دون هذا القدر لم تلزمه، وإن كان يملك هذا القدر لنفسه وحده ولا يملك لعياله؛ وجب عليه أن يخرجها عن نفسه فقط، وكذلك إن كان منفرداً وملك هذا القدر وجبت عليه، على ما حصله أبو العباس الحسني. ووقت وجوبها أول ساعة من نهار يوم الفطر، وهو أول يوم من شوال، وحدَّها طلوع الفجر من هذا اليوم. وهي صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من ذرة، أو صاع من إقط لأصحاب الإقط، أو صاع من زبيب أو غير ذلك مما يستنفقه المزكون. ولا يجوز أن يخرج في صدقة الفطر إلا الطعام متى وجد، وإن لم يوجد وتعذر السبيل إليه جاز/87/ إخراج قيمته. ويجوز أن تُفَرَّق صدقة الفطر عن واحد في جماعة من الفقراء، مع شدة الحاجة إليها لكثرة الفقراء أو لضيق الطعام، وإذا لم تشتد الحاجة فالمستحب أن يدفع صدقة كل واحد إلى واحد من الفقراء. ويجوز أن تخرج صدقة الفطر من غير ما يأكله الإنسان من غير قوت بلده، والمستحب أن يخرجها مما يأكله ويقتاته، إلا أن يعدل عنه إلى ما هو أعلى منه. والمستحب إخراجها في أول النهار يوم العيد، بعد تناول شيء من الطعام أو شربة من الماء، ثم يخرجها قبل صلاة العيد، فإن أخرج ذلك إلى آخر النهار جاز، والتعجيل أفضل. فإن لم يجد من وجبت عليه مستحقاً لها يوم الفطر عزلها إلى أن يجد، وإن علم لها مستحقاً في مكان وَجَّهَ بها إلى هناك، وكذلك إن كان من ذوي رحمه من لا تلزمه نفقته في مكان آخر جاز أن يوجهها إليه. قال القاسم عليه السلام: إن عَجَّلَها في شهر رمضان فهو أفضل. قال أبو العباس: وكذلك عنده إن عجلها في شعبان؛ لأنَّه نصّ على جوازها قبل الفطر مطلقاً، وما ذكره يحيى بن الحسين في (المنتخب) من أنَّه لا يخرجها ليلة الفطر، فإنه محمول على أن المراد به بيان وقت وجوبها وأنه يوم الفطر. وإن مضى يوم العيد وهو لا يلزمه صدقة الفطر لإعدامه، ثم أيسر في اليوم الثاني لم يلزمه إخراجها. قال أبو العباس: وعلى هذا لو ولد له يوم الفطر مولوداً أو ملك مملوكاً فعليه زكاة الفطر عنهما. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: يجب أن يكون المراد بقوله: إن ملك مملوكاً يوم الفطر. أن يملكه من جهة الإرث لا من جهة الشراء على ما بينا من تفصيله في (الشرح) . وإن مات العبد ليلة الفطر لم تلزمه صدقة الفطر عنه، على قياس قول يحيى عليه السلام. ومن خشي أن لا يجد من الطعام ما يخرجه يوم الفطر، فينبغي له أن يرتاده قبل ذلك ويحصله. فإن تعذر عليه إخراجها لغيبة ماله عنه فليرغالسلف، فإن لم يتمكن من ذلك كان ديناً عليه إلى أن يظفر به. وإن وجبت عليه صدقة الفطر، ثم أفلس قبل إخراجها، كان ديناً عليه، على قياس يحيى عليه السلام.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:09
ولو ارتد عن الإسلام قبل يوم الفطر ثم رجع إلى الإسلام بعده لم تلزمه صدقة الفطر، على قياس قول يحيى عليه السلام. قال أبو العباس: يجب على الزوج إخراج صدقة/88/ الفطر عن زوجته، على قياس قول يحيى عليه السلام، وهذا ظاهر على أصله، كما ذكر أبو العباس، مؤسرة كانت أو معسرة، وإن كان الزوج فقيراً وهي مؤسرة لزمها أن تخرج عن نفسها وعن كل من تلزمها نفقته. قال أبو العباس: ويجب إخراجها عن العبد المرهون، وعن العبد المغصوب، والآبق إذا كان يرجو وصولهما إليه، على أصل يحيى. وحكى عن يحيى بن الحسين: أنها تلزم عن مماليك مملوكه المأذون له في التجارة؛ لأنهم مماليكه، وعلى هذا تلزم عن عبيده للتجارة وعن عبده المأذون له. قال رحمه اللّه في (النصوص) : لو ابتاع يوم الفطر مماليك على أنَّه بالخيار أو هما جميعاً ولم ينقطع الخيار أو جاز وقته وزادوا أو نقصوا في يده، أو ماتوا، فعليه إخراج زكاة الفطر عنهم، كما نصّ يحيى عليه السلام، على أنهم إن ماتوا فهم من مال المبتاع، وإن كان الخيار للبائع فعليه إخراجها عنهم دونه، وذكر في موضع آخر أنها على البائع إذا اشتراهم يوم الفطر وهو الأولى، وقد بينا الكلام فيه في (الشرح) . قال أبو العباس: ولا فطرة على المكاتب، وصدقة الفطر تلزم المسلم عن عياله المسلمين، ولا يجب إخراجها عن العبد الكافر، ولا يجب إخراجها عن الجنين ولا على الأجير. قال أبو العباس: وإن كان عبد بين اثنين لزمهما إخراجها عنه على قدر ملكهما. قال رحمه اللّه في (النصوص) : ويلزمه إخراجها عن من لزمته نفقته، حاضراً كان أو غائباً، على أصل يحيى عليه السلام. قال: ومن تلزمه نفقته ممن يرثه من ذوي أرحامه ومواليه الذين أعتقهم، إنما يجب عليه إخراجها عنهم إذا لم يملكوا يوم الفطر ما تجب عنده صدقة الفطر، وعلى هذا الأصل إذا زوج عبده من أمته لزمه إخراج الفطرة عنهما، فإذا زوجها من عبد أجنبي ففطرتها على مولى العبد، وإن زوجها من حُرٍّ كانت فطرتها على الزوج كالنفقة. قال أبو العباس: وإن ملك العبد يوم الفطر كانت فطرته على البائع، وإن ملكه ليلة الفطر كانت الفطرة عليه - يعني المشتري -، وإن ابتاعه في رمضان ثم قبضه من البائع أول يوم من شوال، كانت فطرته على المشتري. ولا يجوز إخراج صدقة الفطر إلى فقير أهل الذمة. قال يحيى بن الحسين في (المنتخب) في جواب السائل عمن له أخذ صدقة الفطر ولا يجب عليه إخراجها: إنَّه من لا يملك يوم/89/ الفطر قوت عشرة أيام. فَمِنْ أصحابنا من حمل هذا القول على من له أخذ الفطرة ولا يلزمه إخراجها، وقد ذكر أبو العباس هذا في (النصوص) ، وذلك يقتضي أن من ملك يوم الفطر قوت عشرة أيام أنَّه لا يجوز له أخذها، فقد نصّ على أنَّه يلزمه إخراجها، والأولى أنَّه عليه السلام إنما قصد به بيان ما سأله عنه السائل من صفة مَنْ لا يلزمه إخراجها، وإن كان ذكر في سؤاله من يجوز له أخذها، ولكنه فهم من كلامه أن مقصوده بالسؤال من لا يجب عليه ذلك. فقال: هو من لا يملك قوت عشرة أيام. ولا يصح اعتبار الوزن في كمية الصاع، وإنما يعتبر فيه الكيل فقط، وهو الصاع المعهود بالمدينة، وذكر أبو العباس أن وزنه تقريباً ستمائة وستة وستون وثلثان. وصدقة الفطر سبيلها سبيل سائر الصدقات في أن استيفائها وتفريقها إلى الإمام، إذا كان في الزمان إمام حق، على موجب قول القاسم عليه السلام.
كتاب الخمس
باب ما يجب فيه الخمس
الخمس واجب في كل ما يُغْنَم من الأموال قليلة وكثيرة، ولا يعتبر فيه النِّصاب ولا الحول، والغنيمة أصنافٌ كثيرة، فمنها: ما يُغْنَم من أموال أهل الحرب وأهل البغي، وما يؤخذ من الأرضين المنتقلة عن الكفار إلى المسلمين، من أموال الصلح والخراج، وما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية وغيرها، وفي السَّلب الذي يستحقه المقاتل إذا جعله الإمام له على قتل العدو. ومنها: ما يستخرج من المعادن كالذهب والفضة واليواقيت والدر واللآلئ والزمرد والفصوص والنحاس والرصاص والحديد والشَّبُّ والكحل والمسك والعنبر والزرنيخ والزئبق والكبريت والنفط. ومنها: ما يصطاد في بَرٍّ أو بحر أو نهر كالسموك والطيور. ومنها: ما يؤخذ من الرِّكاز - وهي كنوز الجاهلية -، وإن كان ما يؤخذ منها مِنْ ضَرْبِ الإسلامفهي لُقَطَة، وهكذا روى محمد ابن منصور المرادي عن القاسم عليه السَّلام، على ما حكاه أبو العباس. قال أبو العباس رحمه اللّه: ما يستخرج من المعدن يجب فيه الخمس سواء كان المعدن في دار الإسلام أو خارجاً عنها، ومن وجد ما يجب فيه الخمس من الركاز فعليه الخمس والباقي له، سواء وجده الإنسان في ملكه أو خارجاً عنه، والصحراء وغير الصحراء سواء في وجوب الخمس على الواجد. وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، فوجد ركازاً فهو له، سواء وجده في دار بعضهم أو في الصحراء ويخمس، على قياس يحيى عليه السَّلام. قال القاسم عليه السَّلام - فيمن دخل دار الحرب من المسلمين فوجد فيها الطعام والعلف -: إن كان ذلك مما يُسَهَّلُ فيه، فيجوز له تناوله من غير إخراج الخمس.
باب كيفية إخراج الخمس
من وجد أو استخرج أو اصطاد ما يجب فيه الخمس، وجب عليه دفع خُمسه إلى الإمام، إن كان في الزمان إما حق، وإن لم يكن فَرَّقَه هو في مستحقه. وكل ما يجب فيه الخمس يجب أخذه من عينه، ولا تَجْزِي قيمته، إلا أن يكون مما لا يمكن تجزئته، أو يُنَقِّص ذلك من قيمته، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن باع ما يجب فيه الخمس وجب على المشتري إخراج الخمس منه، ويَرْجِع على البائع بقدره، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن أنفق على تحصيل ما يجب فيه الخمس، وجب عليه إخراجه من جميعه قليلاً كان أو كثيراً، ولا يجوز أن يحتسب بشيء مما أنفق عليه. ولا يتكرر وجوب الخمس في شيء مما يجب فيه. قال أبو العباس - فيمن استخرج معدناً ثم باعه قبل أن يخلصه -: يؤخذ منه قيمة خمس المعدن، وكذلك لو استهلكه أُخِذ منه قيمة المُسْتَهْلَك.
باب ذكر أهل الخمس وكيفية قسمته فيهم
أهل الخمس بعد إخراج السهمين المفروضين لله عز وجل وللرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم: ذوو قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهم أولاد علي، وأولاد جعفر، وأولاد عقيل، وأولاد العباس، وسائر من بقي من بني عبد المطلب، نحو ولد الحارث بن عبد المطلب، واليتامى، والمساكين، وبنوا السبيل. ويقسم الخمس على ستة أسهم: فسهم منها يكون لله تعالى، والواجب صرفه/91/ إلى ما يراه الإمام من الأمور المقربة إلى اللّه تعالى، نحو إصلاح طرق المسلمين، وبناء مساجدهم، وحفر آبارهم، وما يجري مجرى ذلك. وسهم منها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهو مصروف بعده إلى إمام المسلمين لمقامه مقامه، ينفق منه على نفسه وعياله وكراعه وخدمه وعلى سائر مصالح المسلمين. وسهم لذوي قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهو مصروف إلى البطون الأربعة التي ذكرناها. وسهم لليتامى. وسهم للمساكين. وسهم لابن السبيل. وسهم ذوي القربى يقسم بينهم قَسْماً بالسوية لا يفضل ذكورهم على إناثهم، ويُشْرَك فيه بين غنيهم وفقيرهم. وإنما يستحق ذلك منهم من كان متمسكا بالحق تابعا لإمام المسلمين، فأما من انحرف عنه ومال إلى أهل البغي فلا حق له فيه. وآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من الأصناف الثلاثةأولى بهذه السهام من غيرهم، فإن لم يوجدوا فيهم، كانت مصروفة إلى هذه الأصناف من أولاد المهاجرين، فإن لم يوجدوا فيهم، كانت مصروفة إلى أولاد الأنصار، فإن لم يوجدوا فيهم، كانت مصروفة على هؤلاء الأصناف من سائر المسلمين.
كتاب الصوم
باب ذكر من يلزمه صيام شهر رمضان وبيان أنواع الصوم الواجب
يجب صيام شهر رمضان بالبلوغ، هكذا ذكر أبو العباس، وحكاه عن محمد بن يحيى، وما أطلقه يحيى من أنَّه يجب بالإطاقة، وأنه متى أطاق صيام ثلاثة أيام كان مطيقاً له، فإنه محمول على أنَّه يؤمر به عند ذلك للتعويد. قال القاسم عليه السَّلام: أنواع الصوم الواجب سبعة، وفصلها بأنها: صوم شهر رمضان. وصوم كفارة اليمين. وصوم الظهار عند العجز عن الرقبة. وصوم قتل المؤمن، ومن أُمِّنَ بالعهد، إذا لم يجد القاتل رقبة مؤمنة. وصوم المتمتع، إذا لم يجد الهدي. وصوم المحرم فدية لما يمنع الإحرام منه وتدعو الضرورة إليه. ومنها صوم النذر.
باب ذكر ما عنده يجب صيام شهر رمضان
وما يصح به الصوم وما يتعلق بذلك
يجب صيام شهر رمضان عند رؤية الهلال في ليله، أو تواتر الخبر برؤيته، أو شهادة عدلين فما فوقهما بذلك، على مقتضى نصّ يحيى عليه السَّلام، وكذلك القول في هلال شوال، ولا فصل في ثبوت رؤية الهلال من طريق الشهادة بين أن تكون السماء جلية مصحية أو متغيمة، على موجب قول يحيى عليه السَّلام.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:11
فإن غُمَّ الهلال عُدَّ من الشهر المتقدم - الذي صح أوله برؤية الهلال - ثلاثون يوماً. وقال أبو العباس: على أصل يحيى يُعَدُّ من شعبان تسعة وعشرون يوماً إذا غم هلال شهر رمضان، ويصام يوم الثلاثين؛ لأن صوم يوم الشك عنده أولى من إفطاره. فإن غم هلال شوال عُدَّ من شهر رمضان ثلاثون يوماً لا محالة، وهذا صحيح. قال القاسم فيمن رأى هلال شوال قبل الزوال: أحب إليَّ إتمام الصيام إلى الليل. وعلى هذا إن رأى هلال شهر رمضان يوم الشك قبل الزوال لم يتغير حكمه في أنَّه مشكوك فيه. وشهر رمضان قد يكون تسعة وعشرين يوماً كما يكون ثلاثين يوماً. وصوم يوم الشك أولى من الإفطار، وينبغي لمن صامه أن ينوي في صومه أنَّه فرضٌ إن كان اليوم من شهر رمضان، وإلا فهو تطوع، حتى تقع النية مشروطة، فإذا صام بنية الفرض عن رمضان مشروطة على الوجه الذي ذكرناه، ثم صح أن اليوم كان من الشهر أجزأه، ولم يجب عليه القضاء. قال أبو العباس: إن نوى في صومه أنَّه من شهر رمضان إن كان اليوم منه أو تطوع لم يجزه . ولا يصح الصوم إلا بالنية، على مقتضى نصّ يحيى عليه السَّلام، ولا يجزي صيام شهر رمضان بنية التطوع. قال أبو العباس: فإن لم ينو صيام يوم الشك، ثم استيقن بعد الزوال أنَّه من شهر رمضان فنوى الصوم أجزأه. وتَجْزِي نية الصوم إذا صادفت جزءاً من النهار سواء وجدت قبل الزوال أو بعده في شهر رمضان وغيره، ما لم يكن صوماً في الذمة كالقضاء والكفارات والنذور. ولا يصح صوم شهر رمضان و غيره إلا بتجديد النية لكل يوم، على ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى عليه السَّلام. ووقت وجوب الصوم، طلوع الفجر، ويستحب ترك ما لا يصح معه الصوم عند الشك في طلوعه/93/. ووقت الإفطار، غروب الشمس، وأمارة ذلك ظهور الكواكب الليلية. وتقديم الإفطارعلى الصَّلاة جائز إن خشي أن يشغله الجوع عنها، قد ذكر القاسم ذلك، وذكر أحمد بن يحيى أنَّه مخير في تقديم أيهما شاء. ولو أن رجلا رأى هلال شهر رمضان وَحْدَه، وجب عليه أن يصوم، وكذلك إن رأى هلال شوال أفطر وكتم ذلك تجنباً للقالة. قال أبو العباس - فيمن أسَرَهُ العدو والتبس عليه شهر رمضان -: إنَّه يتحرى، فإن وافق صومه شهر رمضان أو شهراً بعده أجزأه، وإن كان صام قبله لم يجزه ويقضيه. قال: وإن كان صام في شوال، فإنه يقضي يوماً واحداً، وإن صام في ذي الحجة، فإنه يقضي عن يوم النحر وأيام التشريق فيقضي صوم أربعة أيام.
باب ما يستحب فعله للصائم وما يكره
يستحب للصائم أن يزيد في عباداته وقراءته القرآن وتسبيحه في الغداة والعشي، وينبغي له أن يتحفط في نهاره لئلا يسهو فيصيب ما يمنع الصوم من إصابته، وأن يتحرز عند تمضمضه واستنشاقه من دخول الماء إلى حلقه ووصوله إلى خياشيمه، وإن استاك نهاراً توقى أن يدخل حلقه مما جمعه السواك من خلاف ريقه. ويكره له أن يضاجع أهله ويلمسها ويُقَبِّلَها لا سيما إن كان شاباً، لما لا يؤمن من وقوعه في المحظور عند غلبة الشهوة. وينبغي أن يتحرز من دخول الغبار والذباب فمه. ومن جاز له أن يفطر في شهر رمضان لعذر فأفطر، ثم زال السبب المبيح لذلك، استحب له أن يمسك بقية يومه كالمسافر إذا قدم في بعض النهار، وقد أكل في أوله، والحائض إذا طهرت وقد أكلت قبل ذلك. ويكره له الحجامةإن خشي الضعف، حكاه أبو العباس عن القاسم عليه السَّلام. ويكره له أن يواصل بين يومين في الصيام. قال أبو العباس: ويكره له مضغ العلك.
باب ما يفسد الصيام وما لا يفسده
يفسد الصوم بأشياء ثلاثة: أحدها: ما يصل - بفعل الصائم/94/ من خارج - إلى الجوف جارياً في الحلق، سواء كان ذلك عن تعمد أو نسيان أو إكراه أو اختيار. وثانيها: الوطء في الفَرْج سواء كان معه إنزال أو لم يكن. وثالثها: إنزال المني عن فعل بسبب يستجلب به ذلك من لمس أو نظر عن شهوة، فإذا أكل أو جامع في نهار شهر رمضان عامداً أو ناسيا فسد صومه وعليه القضاء. قال أبو العباس: النسيان ضربان، أحدهما: أن ينسى الصوم ويتعمد الأكل والجماع، فهذا يفسد صومه وعليه القضاء. والثاني: أن لا يتعمد ذلك وإنما يدخل فمه ويصل إلى جوفه من غير اختياره، كالحصاة والدخان والغبار يدخل فمه وينزل إلى حلقه، فهذا لا يفسد صومه. ويجب عليه في العمد أكلاً كان أو وطئاً التوبة مع القضاء، فأما العتق والصوم والإطعام فذلك مستحب عند يحيى بن الحسين غير واجب عليه، وكذلك عند القاسم عليه السَّلام، على رواية يحيى عنه في (الأحكام) ، وفي رواية النيروسي وعلي ابن العباس عنه أن ذلك واجب عليه، وفي (مسائل النيروسي) ما يدل على أنَّه يفصل في النسيان بين الأكل والجماع، فيوجب الكفارة في الوطئ ناسياً. فإن تعمد إبتلاع شيء مما ذكرناه أو ابتلاع دينار أو درهم أو فلس أو زجاج، فسد صومه وعليه القضاء. وإن تمضمض واستنشق فدخل الماء حلقه ونزل إلى جوفه من فيه أو من خياشيمه، فسد صومه وعليه القضاء. فإن قَبَّل أو نظر أو لمس من شهوة فأمنى، فسد صومه وعليه القضاء، فإن أمذى استحب له القضاء. قال أبو العباس: فإن طلع الفجر وهو مخالط أو في فيه طعام فعليه أن يتنحى ويلقي الطعام من فيه، ولا يفسد صومه، فإن لبث على حاله من الجماع فسد صومه وعليه القضاء. فإن أفطر وهو شاك في غروب الشمس ولم يتبين له أن إفطاره كان بعد غروبها، فسد صومه وعليه القضاء، فإن تَسَحَّرَوهو شاك في طلوع الفجر ولم يتبين له أنَّه تسحر بعد طلوع الفجر، كان صومه صحيحاً، وإن تبين له أنَّه أكل بعد طلوع الفجر فعليه القضاء، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام. ولا يفسد الصوم باستعمال الكحل والذروروصب الدهن في الأذن وفي الإحليلولا الحقنة، ويفسده السعوط /95/؛ لأنَّه مما يصل إلى الجوف. ولا تفسده الحجامة. ولا ذوق شيء بطرف اللسان إذا لم يصل إلى الحلق. ولا مضغ الطعام إذا لم ينزل منه شيء، تخريجاً على هذا. ولا يفسده القيء متعمداً ولا مبتدراً إلا أن يرجع إلى الحلق منه شيء. ولا تفسده المضمضة والاستنشاق ولا رش الماء على البدن. ولا بَلَّ الثوب عليه من عطش، نصّ القاسم على ذلك. قال القاسم عليه السَّلام: لا باس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب. ولو أن صائمة جُوْمِعت وهي نائمة، فعلمت فطاوعت، فسد صوم الرجل والمرأة جميعاً، وإن لم تعلم حتى جومعتفلا قضاء عليها، وكذلك إن كانت مجنونة، قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وهذا يجب أن يكون المراد به من جنونها مما يعرض ويزول كالصرع ونحوه، وعلى هذا إن عرض للصائم جنون في بعض النهار ثم زال، ولم يكن منه ما يفسد الصوم، صح صومه. فإن أكرهت على ذلك أو أكره رجل أو امرأة على تناول طعام أو شراب نظر في حال الإكراه، فإن كان تخويفاً أو ضرباً أو ما يجري مجرى ذلك، فأقدم المكره على الإفطار لدفع ذلك عن نفسه فعليه القضاء، فإن أُوْجِرَ الطعام أو صُبَّ الشراب في حلقه من غير فعل منه، فلا قضاء عليه، هذا الذي تقتضيه نصوص القاسم ويحيى وأصولهما. قال القاسم عليه السَّلام في الريق يبلعه الصائم: لا يفسد صومه؛ لأنَّه لا يقدر على أن يمتنع منه. قال: ويكره إذا كثر في فيه أن يرد ذلك إلى جوفه، وقد ذكر ذلك محمد بن يحيى في البزاق والريق. قال: فأما النخامة فإنه لا يردها، فإن دخل ذلك الحلق من غير تعمد لم يفسد الصوم، وإذا كان بين أسنانه لحم فازْدَرَدَهُ حتى نزل إلى جوفه فإنه يفسد صومه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن أصبح جنباً في شهر رمضان عن جماع أو إحتلام لم يفسد صومه وسواء كان عامدا أو ناسياً على ما أطلقه يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس فيمن احتلم في نهار شهر رمضان: لا يفسد صومه. وحكى على ابن العباس عن القاسم عليه السَّلام فيمن اجتنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى مضى الشهر، عليه قضاء الصَّلاة دون الصيام. قال أحمد بن يحيى عليه السَّلام فيمن أصابته جائفة فداواها بدواء /96/ يصل إلى جوفه: لا يفسد صومه.
باب الترخيص في الإفطار وما يلزم فيه الفدية
الترخيص في الإفطار يجوز عند حالين: أحدهما: السفر. والآخر: إذا خشي من الصوم الضرر. وإذا وجب القصر جاز الإفطار، والحال التي يخشى معها الضرر فالإفطار عندها جائز، وإن لم يكن ذلك مؤدياً إلى التَّلف، والصوم مكروه، وإن صام أجزأ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، فإن كان مؤدياً إلى التلف كالمريض الشديد المرض والشيخ الهِمّ، فالإفطار واجب. والحامل والمرضع إذا خافتا على الجنين والمرضَع. وكذلك من لا يصبر على العطش من الرجال والنساء، يجب عليهم الإفطار.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:12
وكل هؤلاء إن لم يخشوا على أنفسهم وعلى الجنين والمرضَع وخشوا زيادة الضرر فإن صاموا أجزأ، وإن لم يصوموا جاز. ومن يفطر لعذر مأيوس من زواله كإفطار الشيخ الهِمّ والمرأة الهرمة، فعليه الفدية، وصاحب العطش إن كان يرجو زوال علته فإنه يفطر ويقضي إذا زال المرض، فإن كان لا يرجو زوالها ويغلب ذلك على ظنه فعليه الفدية، على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام. والفدية: إطعام مسكين. قال أبو العباس: وقَدَّره يحيى عليه السَّلام يعني الإطعام في موضع مُدَّين يخرجهما مما يستنفقه من بُرٍّ أو غيره. ومن فاته صيام أيام من شهر رمضان ولم يقض ما فاته حتى دخل شهر رمضان في السنة الثانية فإنه يقضي ذلك ويطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا هو الذي نصّ عليه في (الأحكام) ، وقد قال فيه: إذا كان قد ترك القضاء لِعِلَّة مانعة من قضائه فلم يفصل بين ترك الصيام لعذر أو لغير عذر، وفي رواية (المنتخب) ذكر جوابا عن السؤال عمن أفطر لعلة، أنَّه لا يلزمه إلا القضاء دون الإطعام، وكان أبو العباس يقول: إن مذهبه في ذلك، أن من أفطر لعذر أنَّه لا يلزمه إلا القضاء، ومن أفطر لغير عذر فعليه القضاء والفدية؛ لأنَّه لم يذكر في (الأحكام) حين أوجب الإطعام أنَّه أفطر لعذر /97/ ويقول: إنَّه صرح بذلك في (المنتخب) . فقال فيمن أفطر لعلة: عليه القضاء دون الإطعام. قال السيد أبو طالب: ولا يبعد أن يكون ما ذكره في (الأحكام) وما في (المنتخب) روايتين مختلفتين في المسألة، فيكون الواجب على من ترك القضاء إلى السنة الثانية قضاء ما فات والإطعام عن كل يوم، على ما نصّ عليه في (الأحكام) ؛ لأنَّه إذا أوجب ذلك على من ترك القضاء لعلة على ما ذكر هناك فبأن يوجبه على من تركه لا لعلة أوْلَى، وفي رواية (المنتخب) يكون عليه القضاء فقط دون الإطعام، ويكون ما فيه من ذكر الإفطار لعلة تقييداً للسؤال بها من جهة السائل والجواب يكون مطلقاً.
باب قضاء الصيام ووجوب الإمساك
كل مخاطب بالصوم إذا تركه لعذر أو لغير عذر وجب عليه القضاء، ومن أفطر لعذر فعليه القضاء لزواله كالمسافر إذا أقام، والمريض إذا صح، والحامل والمرضع إذا زال المانع، وكذلك من يفطر لغلبة العطش، وكذلك الحائض والنفساء إذا طهرتا. وعلى المستحاضة أن تصوم وتصلي وتقضي ما فاتها من الصيام في حال الحيض إذا خرجت منه. ومن جُنَّ شهر رمضان كله ثم أفاق وجب عليه القضاء، والمراد به الجنون الطارئ بعد كون الإنسان عاقلاً مخاطباً بالصوم، وعلى هذا قرر أبو العباس المذهب. قال رحمه اللّه: وإن جُنَّ عشر سنين قضى ما أفطر، إلا أن يكون مجنوناً في الأصل، وكذلك المغمي عليه، وكذلك إن جُنَّ بعض الشهر ثم أفاق قضى ما فات وصام ما بقي. قال أبو العباس: ومن نوى الصيام من الليل ثم أغمي عليه النهار كله، صح صومه ذلك اليوم فقط، إذا لم يكن منه ما يوجب فساده. ومن دخل في صوم تطوع ثم أفطر، لم يجب عليه القضاء. ومن ارتد عن الإسلام سنين ثم عاد إليه لم يلزمه قضاء ما ترك من الصيام في حال ردته. قال القاسم عليه السَّلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس -: ولا يصوم أحد عن أحد. وروى أبو خالد عن زيد بن علي عليه السَّلام، في المريض يموت وعليه أيام من شهر/98/ رمضان، أنَّه يُطْعَم عنه كل يوم نصف صاعٍ ولا يصام عنه. ومن أصحابنا من قال يجزي الصيام عنه إذا أوصى به، تخريجاً على نصّ يحيى عليه السَّلام فيمن مات وعليه إعتكاف عن نذر، على أنَّه يستأجر من يعتكف عنه إذا أوصى به، وهذا تخريج غير معتمد عليه. قال محمد بن القاسم عن أبيه - فيما حكاه عنه أبو العباس - فيمن أفطر سنين كثيرة من رمضان ولم يضبطها: يقضي متحرياً. قال أبو العباس: فإن بلغ صبي في بعض الشهر، صام ما يستقبل ولا يجب عليه قضاء ما مضى. ومن فاته صيام أيام من شهر رمضان، قضى ما فاته كما فاته مجتمعاً كان أو مفترقاً، فإن فاته مفترقاً وقضاه مجتمعاً كان أفضل، وترتيب المذهب - على موجب قول القاسم عليه السَّلام - أنَّ قَضَاءَهُ مجتمعاً إن كان فاته مجتمعاً هو الأولى، ولو قضاه مفترقاً لأجزأ ولم تلزمه الإعادة، وإن كان مكروهاً؛ لأن التتابع لحرمة الوقت. ومن نوى أن يفطر وهو صائم ولم يفطر، صح صومه ولا قضاء عليه. ومن أفطر لا لعذر مبيح للإفطار كمن يأكل أو يجامع متعمداً أو ناسياً، فالإمساك في بقية يومه واجب عليه، ومن أفطر لعذر مبيح لذلك كالمسافر إذا قدم الوطن في بعض النهار وقد أكل في أوله والحائض إذا طهرت وقد أكلت في حال الحيض، فالإمساك يستحب لهما، على موجب قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام.
باب صيام النذور والكفارات
صيام الكفارات هو: صيام الظهار، وصيام القتل، وصيام اليمين، وصيام المحرم عن جزاء الصيد وعما يلزمه من الفدية. فأما صيام كفارة المحرم عن جزاء الصيد، وصيام كفارة اليمين فموضعهما كتاب الحج، وكتاب الأيمان، وكان يجوز أن يذكر صيام الظهار، وصيام القتل في باب الظهار وباب كفارة القتل، إلا أنا سلكنا طريقة الهادي عليه السَّلام في ذكرهما في كتاب الصيام. أما كفارة الظهار فهي: صوم شهرين متتابعين إذا لم يتمكن من عتق الرقبة، وكذلك كفارة القتل، إذا قتل مؤمناً خطأً / 99/ ولم يتمكن من الرقبة، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن فَرَق بينهما يوماً فعليه أن يستأنف الصيام حتى يأتي بصوم ستين يوماً متتابعة، إلا أن يفطر فيها عن مرض شديد لا يستطيع معه أن يواصل الصوم، فيجوز له أن يبني إذا زال مرضه، وكذلك القول في كفارة القتل، وصوم من أوجب على نفسه صيام شهرين متتابعين أو صيام سنة متتابعة فأفطر يومي العيدوأيام التشريق، ومن أصحابنا من يعتبر في العلة التي يجوز عندها البناء أن يكون المكفر ذا سقم مأيوس من زواله، وكان الغالب من حاله أنَّه لا يتمكن من المواصلة، ويقول: إن منصوص يحيى في (الأحكام) يقتضي ذلك، وأن رواية (المنتخب) تقتضي أنَّه إن أفطر لأَيِّ عذر كان من سفر أو مرض، فإنه يجوز له البناء، فيجعل للمسألة روايتين. فإن انقطع التتابع بالنِّفاس فعلى المرأة الإستئناف، وكذلك إن انقطع تتابع الأيام الثلاثة عن كفارة اليمين بالحيض، فعليها أن تستأنف، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. والمظاهر إذا عجز عن عتق الرقبة وشَرَع في الصيام ثم قدر على العتق قبل إتمام شهرين، فعليه أن يعتق، وكذلك إن عجز عن الصيام وشرع في الإطعام ثم قدر على الصيام قبل الفراغ منه، وجب عليه العود إلى الصيام، فإن قدر على العتق بعد الفراغ من الصيام أجزأه الصوم، وإن قدر على الصيام بعد الفراغ من الإطعام أجزأه الإطعام. وكذلك القول في القاتل إذا عجز عن عتق الرقبة وشرع في الصيام. وإيجاب الصيام لا يصح إلا بالقول، وكذلك سائر النذور لاتجب بالنية فقط. ولو أن رجلا أوجب على نفسه صيام شهر كامل أو شهرين أو أشهر متتابعة، وجب عليه أن يصوم كما أوجب على نفسه، فإن فرق لا للعذر الذي بيناه وجب عليه الإستئناف. ومن وقال: لله علي أن أصوم عشرين يوماً وجب أن تعتبر نيته في التتابع والتفريق كما نوى، فيصوم كما نوى، فإن لم يكن نوى شيئاً من ذلك فإنه يصوم كما يختار متتابعاً أو مفترقاً، وكذلك إن قال: لله علي صوم شهر واحد. فإن قال: لله علي صوم شهر كذا وأضافه إلى شهر مخصوص، وجب أن يصوم متتابعاً متجاوراً؛ إلا أنَّه إن أفطر يوماً منه يجزيه قضاء/100/ يوم مكانه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن قال: لله علي أن أصوم سنة، صامها وأفطر العيدين، وأيام التشريق، وصام خمسة أيام مكانها، ويصوم شهراً بدلاً عن صوم شهر رمضان، إلا أن يكون قد استثنى هذه الأيام بنيته، فلا يلزمه أن يعيد صيامها. ومن قال: لله علي أن أصوم شهراً يوم أتخلص من كذا، أو أعتكف شهراً، فتخلص منه في آخر يوم من شعبان، فإنه يبدأ بشهر رمضان فيصوم ويفطر يوم العيد، ويصوم أو يعتكف ثاني شوال ثلاثين يوماً. ومن قال: لله عَلَيَّ أن أصوم يوم الفطر ويوم النحر، أو أعتكف فيهما، أفطرهما وصام يومين بدلاً عنهما. وكذلك إن قال: لله علي أن أصوم أيام التشريق. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام - فيمن قال: لله علي أن أصوم أمس -: هذا محال لا يلزمه فيه شيء؛ لأن الصوم فيما مضى لا يصح، ولكن يصوم استحباباً اليوم الذي هو مثل أمس، فإن كان أمس يوم الأحد يصوم يوم الأحد. وقال رضي اللّه عنه - فيمن قال: لله علي أن أصوم أكثر الأيام -: صام سنة. وقال رضي اللّه عنه - فيمن قال: لله علي أن أصوم يوم يقدم فلان، فقدم ليلاً أو في النهار وقد أكل فيه -: أحسن ما في هذا أنَّه إن قدم ليلاً صام في نهاره، فإن قدم في النهار صام في اليوم الثاني. وقوله: أحسن ما في هذا؛ الأقرب فيه أنَّه قصد به الإستحباب دون الإيجاب لاسيما إذا قدم ليلاً فإنه لايحتمل إلا الإستحباب.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:13
وقال رضي اللّه عنه: لو قال: لله علي أن أصوم ثلاثة أيام بلياليها، وجب عليه صوم ثلاثة أيام فقط، ولو قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبداً، فقدم [يوم] الإثنين صام يوم كل اثنين يستقبله، إلا أن يصادف ذلك يوم الفطر، أو يوم الأضحى، أو أيام التشريق، فإنه يفطر هذه الأيام ثم يقضيها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكذلك إن أوجب على نفسه صوم كل خميس أو غيره ففاته صيام بعض تلك الأيام، وجب عليه أن يقضي ما فاته، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: ولو قالت المرأة: لله علي أن أصوم أيام حيضي، لم يلزمها شيء. والعبد إذا أوجب على نفسه صوماً أو اعتكافاً، لزمه ذلك، ولسيده /101/ أن يمنعه منه، وكذلك القول في المُدَبَّر وأم الولد، فإن منعهم لزمهم قضاء ذلك إذا أعتقوا، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
باب صيام التطوع وما يستحب من الصيام وما يكره
يستحب صيام الدهر لمن أطاقه ولم يضر بجسمه؛ إذا أفطر العيدين وأيام التشريق، ويستحب صيام شهر المحرم، وصيام شهر رجب وشعبان، ويستحب صيام يوم الإثنين ويوم الخميس، ويستحب صيام يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم، وصيام يوم عرفة للحجيج، ولسائر أهل الأمصار، وصيام أيام البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر. والصيام في السفر أفضل من الإفطار. قال القاسم عليه السَّلام فيما روي: (( ليس من البر الصيام في السفر )) معناه: التطوع. وحكى أبو العباس عن القاسم عليه السَّلام: أن صيام الأربعاء بين الخميسين فيه أجر عظيم، وهو صيام يوم الخميس في أول الشهر والأربعاء في وسطه والخميس في آخره. قال رحمه اللّه: في إتباع شهر رمضان ستة أيام من شوال بالصوم [فيه] فضل عظيم. قال القاسم عليه السَّلام: من صام شعبان استحب له أن يفصل بينه وبين شهر رمضان بيوم يفطره. ويكره أن يتعمد بالصوم يوم الجمعة، إلا أن يوافق ذلك يوماً كان يصومه ذلك الصائم.
باب الإعتكاف
الإعتكاف فهو: لزوم المسجد بنية القُرْبَة ، إذا كان من مساجد الجماعات، مع الصوم في يوم الإعتكاف، وأقل الإعتكاف يوم واحد، ولا يصح الإعتكاف إلا بالصوم، وترك غشيان النساء ليلاً ونهاراً. وشرائط الإعتكاف: النية، والصوم، واللبث في مسجد تُصَلَّى فيه جماعة، وترك غشيان النساء. ولا يجوز للمعتكف أن يخرج من مسجد إعتكافه إلا لحاجة لا بد له منها، وإذا خرج لها لم يجلس حتى يعود إلى المسجد. وقال أبو العباس: وإن مكث خارج المسجد في أمر له منه بد، طويلاً أو قصيراً، فسد الإعتكاف، تخريجاً على قوله وعاود المسجد. ويجوز أن يخرج لعيادة المريض وحضور جنازة/102/، وأن يقف على أهله فيأمرهم وينهاهم ولا يقعد حتى يعود إلى معتكفه، وله أن ينتصف للمظلوم من الظالم ويمنع منه الظلم بما أمكنه من لسانه ويده، وعلى هذا له أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ومن لزمته الجمعة فإنه يجب عليه الخروج إليها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، ويجوز للمعتكف أن يتزوج ويزوج غيره ويشهد على التزويج، وإن تزوج لم يدخل بأهله، ويجوز له أن يتطيب ويَدَّهِن ويكتحل. ويستحب أن لايبيع ولا يشتري. قال أبو العباس: إنما كره عليه السَّلام البيع والشراء لحرمة المسجد، فإن باع واشترى ما لابد له منه خارج المسجد جاز، على أصله، كما جوز عيادة المريض وحضور الجنازة. وينبغي للمعتكف أن يتحرز في حال اعتكافه من كل خصومة وجدال في غير حق، ولفظ قبيح، وفعل محظور، واشتغال بما لا قُرْبَة فيه من الأفعال التي يستغنى عنها وإن كانت مباحة، وأن يتوفر على العبادات وقراءة القرآن والدعاء والإستغفار. قال أبو العباس: وسواء شرط المعتكف الخروج من المسجد أو لم يشرط؛ في أن الخروج لغير ما ذكرنا مفسد له. ويصح في الإعتكاف ما يصح في الصوم ويفسده ما يفسد الصوم، والمراد به جنس المباشرة كالوطء والإنزال والقبلة واللمس، فإنما يفسد الصوم من ذلك يفسده. والإعتكاف ضربان: أحدهما: أن يدخل الإنسان فيه بنيته. والثاني: أن يوجبه على نفسه، فإن أحب إيجاب الإعتكاف على نفسه فإنه يجب أن يتلفظ به، فيقول: لله علي اعتكاف يومٍ أو أيامٍ. ويعين ذلك أو يطلق، فإن أوجب اعتكاف يومٍ أو أيامٍ وأراد بذلك النهار دون الليل؛ فإنه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر حتى يكون عند طلوعه حاصلاً فيه، ويخرج منه بعد غروب الشمس، وإن أوجب على نفسه اعتكاف شهر بعينه لزمه أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس، ويخرج منه آخر الشهر بعد غروبها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإذا أطلق ذلك فله أن يعتكف أي يوم أو أيام أراد، وإن عين فعليه أن يعتكف ذلك اليوم بعينه أو تلك الأيام ما لم يكن اليوم أو الأيام مما لا يصح فيه الصوم، فإن كان كذلك لزمه قضاء ما أوجبه/103/ على نفسه، فإن فاته اعتكاف ذلك اليوم بعينه اعتكف يوماً آخر بدلاً عنه، وكذلك القول في الأيام المعينة، ومن أوجب على نفسه اعتكاف جمعة بعينها فعليه أن يعتكف فيها، فإن فاته ذلك اعتكف جمعة أخرى، وإن لم ينو جمعة بعينها اعتكف أي جمعة كانت، وإن أوجب اعتكاف شهر رمضان بعينه ففاته فإنه يعتكف شهراً آخر غير شهر رمضان، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: إذا أطلق الأيام في إيجاب الاعتكاف دخل فيها الليالي، تخريجاً على قول يحيى عليه السَّلام، وإن أوجبت امرأة على نفسها اعتكاف أيامٍ، ثم حاضت قبل مضي تلك الأيام، خرجت من مسجدها إلى أن تطهر وتغتسل، فإذا اغتسلت عادت إلى المسجد وبنت على اعتكافها. وكذلك إن خاف رجل أو امرأة على نفسه في مسجد اعتكافه فله أن يخرج إلى مسجد آخر. وكذلك إن انهدم المسجد انتقل إلى مسجد آخر وبنى على اعتكافه، وكذلك إن أخرجه السلطان ظلماً وكرها له، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن جعل على نفسه أن لا يكلم أحداً في اعتكافه فينبغي إذا عرض له ما يجب أن يتكلم به نحو رد السَّلام وغير ذلك أن يتكلم ويجيب عن السَّلام، ويكفر عن يمينه فيطعم عشرة مساكين. وإن قال: لله علي أن أعتكف شهراً إن كلمت فلاناً فكلمه لزمه ذلك. قال أبو العباس: من قال: لله علي أن أعتكف الجمعة فعليه أن يعتكف كل جمعة؛ لأنَّه تعريف الجنس. قال السيد أبو طالب: هذا إذا لم يقصد باللفظ جمعة بعينها؛ لأنَّه إذا قصد ذلك جرى مجرى تعريف العهد، وكذلك إن قصد به جمعة مُنَكَّرة صح؛ لأن اللفظ يصلح لذلك مجازاً من طريق العُرْف فالنية تعمل فيه. والعبد والأمة إذا أوجبا على أنفسهما اعتكافاً لزمهما ذلك، ولسيدهما منعهما منه، وكذلك المُدَبَّر وأم الولد، ولا يستحب له منعهم، وكذلك المرأة، على أصل يحيى عليه السَّلام، فأما المكاتب فليس له أن يمنعه. ولو أن رجلاً أوجب على نفسه اعتكاف أيام وحضرته الوفاة فأوصى أن يُعْتَكف عنه، وجب أن يُخْرَج من ثلث ماله ما يُسْتَأْجر به مسلم ليعتكف عنه، ويلزم الورثة إجازة ذلك. ويكره للنساء الإعتكاف، إلا اللواتي لا رغبة للرجال/104/ فيهن، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
باب ذكر ليلة القدر
قال القاسم عليه السَّلام: ليلة القدر من أولها إلى آخرها في الفضل سواء، وهي ليلة ثلاثٍ وعشرين، أو ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان. وقال عليه السَّلام في قوله اللّه تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ : إن ذلك لما للأعمال فيها من البر والبركات، وما يمسك فيها عمن يؤخر عنه من النقمات.
كتاب الحج
باب وجوب الحج وذكر شروطه
وجوب الحج يتعلق بمن كان بالغاً عاقلاً مسلماً حراً. وشروط وجوبه على من نَأت داره من مكة: الزاد، الراحلة، وأمان الطريق، وصحة البدن حتى يتمكن معها من الإستمساك على الراحلة، فإنه إذا لم يكن كذلك لم يلزمه الحج بنفسه. حكى أبو العباس الحسني عن محمد بن القاسم: أنَّه ذكر فيما جمعه عن أبيه، أن القوة على المشي تنوب عن وجوب الرَّاحلة، وذكر القاسم نحو هذا في (الفرائض والسنن) ، وهكذا حكى أبو العباس عن أحمد بن يحيى، فيكون شرط وجوبه على هذا: الزاد والراحلة، أو القوة على المشي، والأمن. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام - فيمن له عروض إذا باعها كلها يبلغ بثمنها الحج ولا يكونله من بعد ذلك شيء - : ليس له أن يعرض نفسه للتهلكة، إلا أن يكون له من بعد بيعه لما يحج به ما يكفي عياله وولده، فحينئذ يجب عليه الحج. وقال أيضا في رجل له مال يسير - إن حج به لا يكون له معيشة - : إن كان هذا الرجل وحده وليس له عيال وكان هذا المال يكفيه ذاهباً وراجعاً فعليه الحج، فإن اللّه تعالى يخلف له معيشته، وإن كان له عيال أوصبيان، فالجواب فيه كالجواب فيما مضى.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:14
وقال محمد بن يحيى في رجل معه شيء يسير، فيتزوج به ولا يحج: إنَّه إذا خشي على نفسه العَنَت والوقوع في المعصية جاز ذلك، وهو مأجور غير مأزور، ويضمر الحج ويعتقد فعله. قال أبو العباس: والبحر/105/ كالبر فيه. يعني: في المسير إلى مكة لفرض الحج. وحكى عن محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: الإحتجاج في ذلك بقول اللّه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ﴾ . وصحة البدن - التي هي التمكن من الثبات في المحمل وعلى الراحلة - شرط في وجوب الحج على الإنسان بنفسه، فأما في لزوم أن يحج عنه غيره فإنه إن كان وجب عليه الحج قبل أن يدفع إلى هذا العذر بحصول الإستطاعة، فإنه يجب عليه أن يحج غيره عنه، وإن لم يكن وجب لفقد الإستطاعة ثم وجد الزاد والراحلة وفقد صحة البدن على الحد الذي ذكرناه، ففرض الحج عنه ساقط. قال القاسم عليه السَّلام: فرض الحج زائل عن الشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يثبتان على الراحلة، ولا يُقْدَر على أن يُسَافَر بهما في محمل، فإن حجا بأنفسهما أو حج غيرهما كان حسناً. والأعمى يلزمه الحج إذا وجد المال ومن يكفيه مؤنة السفر في خدمته وهدايته، على قياس قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام، وأصحابنا قد حكوا هذه المسألة عن يحيى وأحسب أنها مذكورة في (مسائل إسحاق بن إبراهيم) ، وما قاله القاسم عليه السَّلام فيمن لا يثبت على الراحلة أنَّه لا يلزمه فرض الحج، وهو إذا لم يكن لزمه من قبل بوجود الإستطاعة، فإن كان لزمه ذلك، فإنه يلزمه أن يحجَّ عن نفسه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وعلى ما ذكره أحمد بن يحيى في الصحيح والصحيحة إذا كانا ممنوعين عن الحج، لمرض أو خوف أو عجز، وكذلك المرأة إذا لم يكن لها مَحْرَمٌ؛ أنَّه يُحَجُّ عنها، وقد ذكره أبو العباس، وحكى نحو ذلك عن محمد بن يحيى عليه السَّلام. وأما المرأة فمن شرط وجوبه عليها مع الراحلة والزاد: مَحْرَمٌ يحج بها، والمحرَم من يَحْرُم عليه نكاحها من ولد وغيره من قرابتها. قال أبو العباس: سواء كان من نسب أو رضاع. قال رحمه اللّه: فإن كانت هِمَّةً لا يرغب الرجال في مثلها، كان لها الخروج مع نساء ثقات أو غيرهن، فيما نصه القاسم عليه السَّلام. والمرأة إذا أحرمت بغير إذن زوجها، فإن كان إحرامها لحجة الإسلام، لم يكن لزوجها أن يمنعها منه، ولا أن ينقض عليها إحرامها إلا لعذر، نحو أن لا يكون لها محرم يحج بها، أو يمتنع محرمها من الخروج معها أولا يمكنه ذلك، وإن كان إحرامها لحجة تطوع فله أن يمنعها منه وأن ينقض عليها إحرامها، فإذا نقض عليها/106/ إحرامها، فإنه يبعث بِبَدَنَةٍ تُنحَر عنها، أو بما استيسر للزوج من الهدي ويعتزلها إلى اليوم الذي أمر بنحرها فيه، وعليها قضاء تلك الحجة إذا تمكنت من قضائها، بأن يحصل الإذن من زوجها أو بينونة منه. والعبد والأمة إذا أحرما بغير إذن سيدهما، كان له أن يفسخ إحرامهما ولا يلزمه أن يهدي عنهما، وإذا عتقا وجب عليهما أن يُمضيا ما كانا أوجباه على أنفسهما وأن يهديا لخروجهما من الإحرام. والمرأة إذا كانت مستطيعة للحج ولها محرم يحج بها وجب عليها أن تحج حجة الإسلام، أذن لها زوجها في ذلك أو لم يأذن، وليس للزوج أن يمنعها ولا يجوز لها أن تمتنع. وإن كانت المرأة معتدة، لم يجز لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها. ولو أن صبياً بلغ أو عبداً أُعتِق أو كافراً أسلم ليلة عرفة، وكان في بعض المواقيت وأمكنه إذا أحرم منه أن يلحق الوقوف بعرفة، وجب عليه أن يحرم من هناك، وإن كان بمكة أحرم من مسجدها، وإن كان بمنى أو بموضع يمكنه منه إذا رجع إلى مكة وأحرم منها أن يدرك الوقوف رجع إليها وأحرم من مكانه، وكذلك القول إذا كان ذلك يوم عرفة أو ليلة النحر، فإنه إذا لحق الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج. قال أبو العباس في الصبي إذا بلغ والذمي إذا أسلم - وقد أحرما من قبل -: عليهما أن يجددا الإحرام؛ لأن إحرامهما من قبل لم يكن إحراماً صحيحاً، فإذا جددا إحرامهما ووقفا أجزأهما ذلك عن حجة الإسلام. فإن أحرم العبد ثم أعتق مضى في حجته بذلك الإحرام؛ لأنَّه يصح إحرامه وينعقد ولا يجزيه ذلك عن حجة الإسلام. ومن حج في مؤنة غيره وقد التزم نفقته أو في خدمته وقد استأجره أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولا يجب الحج إلا مرة واحدة، حكى ذلك أبو العباس عن القاسم عليه السَّلام. والحج يجب على الفور، ولا يجوز تأخيره عند حصول الشروط وزوال الموانع، وقد مر للقاسم ما يدل على أنَّه يجب على التراخي. قال يحيى عليه السَّلام: من حج ودِيْنُه دِيْنُ العامَّة في مخالفة اعتقاد التوحيد والعدل/107/، ثم تاب ورجع إلى الدِّين واعتقاد التوحيد والعدل، وجب عليه أن يحج. قال محمد بن يحيى في (مسائل مهدي) : إذا كانت المرأة قادرة على نفقة مَحْرَمِها وامتنع المحرم من أن يحج بها إلا بأن تنفق هي عليه، وجب عليها أن تحج وتحتمل هي نفقته.
باب المواقيت وما يلزم من أجاز بها أو كان بها أو دونها إذا أراد دخول مكة
المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقال: إنها مواقيت لأهلها ولمن ورد عليها من غير أهلها. خمسة: وَقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق، ومن كان منزله أقرب إلى مكة من هذه المواقيت أحرم من منزله. قال أبو العباس: من ركب البحر أو البر، فلم يَرِد هذه المواقيت فإنه إذا حاذى أدناها أحرم منه، فإن التبس ذلك عليه تحرى. وميقات أهل مكة للحج الحرم وللعمرة الحل. قال أبو العباس فيمن يريد دخول مكة من هذه المواقيت - مكيّاً كان أو غير مكي، وقد خرج عنها وجاوز هذه المواقيت، ثم أتاها أوكان من أهل سائر البلدان فوردها -: إنَّه يجب عليه أن يحرم بحجة أو عمرة، ولا يدخل مكة إلا محرماً، وذكر أن الجمالين والحطابين إذا كانوا يجتازونها يعني المواقيت إلى مكة دائما ولا يكون اجتيازهم ندراً فقد استثنوا، فإن كانوا يجتازونها ندراً فعليهم أن يحرموا. وقال رحمه اللّه: إذا دخلها محرما فعليه أن يحج أو يعتمر، فإن نوى عند الإحرام أحدهما فعليه ما نوى. قال: ومن كان منزله في الميقات أو ما بين الميقات ومكة؛ فإنه إذا دخلها غير مار بالميقات جائياً من ورائها فلا إحرام عليه لدخولها. قال أبو العباس فيمن يلزمه الإحرام لدخول مكة: إنَّه إن حج من عامه حجاً واجباً أو نذراً أو غيره أجزأه ذلك عن الإحرام الذي لزمه للدخول، فإن حج من العام القابل لم يجزه. ومن كان من أهل الميقات ثم خرج منه وجاء إلى ميقات آخر، فعليه أن يحرم من الميقات الذي أورده على ظاهر إطلاق يحيى، ومن ورد الميقات حاجاً أو معتمراً فجاوزه من غير أن يحرم، فعليه أن يرجع إليه ويحرم منه، فإن لم يمكنه الرجوع لخوف أو لضيق الوقت وخشية الفوات، فإنه يحرم من ورائه قبل أن ينتهي إلى الحرم. قال يحيى عليه السَّلام في (المنتخب) /108/: ويستحب له أن يريق دماً. وحكى أبو العباس في (كتاب الإبانة) : أنَّه يلزمه دم لمجاوزته الميقات من غير أن يحرم. وحكى في (النصوص) عنه ما ذكره في (المنتخب) من أن الدم مستحب، وقوى هذا القول.
باب فروض الحج التي لا بدل لها ولا يصح جبرانها
فروض الحج التي لا جبران لها: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة. وروى علي بن العباس عن القاسم عليه السَّلام: أن الوقوف بالمشعر الحرام فرضٌ، وذكر أبو العباس: أن المرور به يجزي عن الوقوف عنده، والإحرام والوقوف بعرفة يفوت بفواتهما، وطواف الزيارة يلزم قضاءه إذا فات، ولا يفوت الحج بفواته.
باب ذكر أشهر الحج وما يتصل بذلك
أشهر الحج التي أمر اللّه تعالى بالإهلال له فيها، ونهى عن الإحرام قبلها: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وهي الأيام المعلومات على ما رواه أبو العباس عن أمير المؤمنين علي عليه السَّلام، والأيام المعدودات هي: أيام التشريق، ومن أحرم بالحج قبلها فقد أساء وتعدى، ولكن ينعقد إحرامه ويتوجه عليه حكمه. ومن أهَلَّ بعمرة قبل أشهر الحج وورد مكة في أشهره معتمراً ثم أحرم للحج؛ لم يكن متمتعاً ولم يلزمه دم المتمتع ويكون سبيله سبيل أهل مكة في أنَّه مفرد بالحج لا يجب عليه الدم، وكذلك إن اعتمر بعد ذلك عمرة أخرى، وهذا معنى قول يحيى في (الأحكام) : والعمرة تكون للشهر الذي عقدت فيه، يريد بذلك لو أن رجلاً اعتمر في شهر رمضان، ودخل مكة في شوال، فطاف وسعى وفرغ من عمرته، ثم أحل من إحرامه فيه أو فيما بعده من أشهر الحج لا يكون متمتعاً؛ لأن عقد عمرته بالإحرام لم يكن في أشهر الحج، وإن كان حَلَّ منها في هذه الأشهر. ولا اعتبار بالوقت الذي يحل منها فيه، وإنما الاعتبار بعقدها، فيجب أن يكون ذلك في أشهر الحج.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:14
قال أبو العباس: وعلى هذا يجب أن يكون ميقاته إذا أراد إحراماً لحج أو عمرة، ميقاتَ أهل مكة، كما أنَّه لامتعة له/109/، فإن أراد الحج فالحرم، وإن أراد العمرة فخارج الحرم، فإن فرغ هذا الرجل من عمرته وحل من إحرامه، ثم خرج من مكة وجاوز ميقات بلده ثم عاد محرماً بالعمرة في أشهر الحج، أو عاد فأحرم بها من مكة أو فيما بين الميقات ومكة، ثم أحرم بالحج يكون متمتعاً وعليه دم.
باب ذكر أنواع الحج وذكر الدخول فيه
الحج ثلاثة أنواع: إفراد، وتمتع، وقِرَان. والإحرام ينعقد بالنية والذِّكر، على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام، وهو الذي حَصَّله أبو العباس من المذهب وخرَّجه أن الإحرام ينعقد بالنية مع الذِّكر أو تقليد الهَدْي، فأما بمجرد النية أو التهيؤ والتجرد فلا يكون الإنسان محرماً حتى ينطق به، أو يقلد الهدي سار مع الهدي أو قدمه مع النِّية. قال أبو العباس: وينعقد الإحرام بغير التلبية من ذكر اللّه سبحانه أو تسبيحه أو تعظيمه، كما ينعقد إحرام الصَّلاة بغير لفظ التكبير، على ما نصّ عليه أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه، فإن نوى الحج فغلط ولبى بعمرة، لم يلزمه ما لفظ به من ذِكْر العمرة ويجب أن يعود فيلبي بالحج، وإن أراد التمتع إلى الحج بالعمرة فغلط ولبى بالحج، لزمه ما عقد عليه بنيته من العمرة. قال أبو العباس: إن نوى حجاً أو عمرة ولم يذكر واحداً منهما فله ما نوى منهما، وإن لبى ولم ينو شيئاً لم يلزمه شيء، وإن لم ينو إلا الإحرام فقط وضعه على ما شاء من حج أو عمرة، ولايجزيه عن حجة الإسلام. قال: وكذلك إن قرنه بذكر الحج، ولم ينو أنَّه من فرضه، لم يجزه عن الفرض، كما لو نوى الصوم في يوم من أيام رمضان لم يجزه عنه، مالم ينو أنَّه منه. فإن نوى في إحرامه أنَّه يحج نفلاً لم يجزه عن الفرض، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وعلى ما قرره أبو العباس من المذهب. قال أبو العباس: فإن أحرم ونسي ما نواه وأحرم له، طاف وسعى ناوياً ما أحرم له، ثم يستقبل الإحرام له بالحج، وعليه دَمٌ لتركه التقصير أو الحلق بعد السعي ودم القِرَان. وإن أحرم بحجتين قاصداً إلى ذلك ناوياً لهما جميعاً وجبتا عليه، ويلزمه أن يمضي في إحداهما ويرفض الأخرى، وعليه لرفضها دم، ويقضي التي رفضها في السنة الأخرى. وكذلك إن أحرم بعمرتين رفض إحداهما، وعليه لرفضها دم، ويمضي في الأخرى، ثم يقضي التي رفضها. ومن أَهَلَّ بعمرة وهو محرم بحجة فأدخل العمرة على الحج، فقد أساء وينعقد إحرامه بها، وعليه أن يرفض تلك العمرة ويمضي في حجته، فإذا فرغ منها قضى تلك العمرة بعد خروج أيام التشريق، وعليه لرفضها دم. ولو أن رجلاً يريد الحج مفرداً، أو قارناً أو متمتعاً وبعث بهديه مع قوم وأمرهم بتقليده في يوم بعينه، وتأخر هو، لزمه الإحرام في ذلك اليوم الذي أمرهم فيه بتقليد هديه. ويستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل، والغسل للإحرام سنة وليس بفرض، ثم يلبس ثوبي إحرامه، وهما ثوبان جديدان أو غسيلان، رداءً وإزاراً، فيرتدي بأحدهما ويتأزر بالآخر، ويتوخي أن يكون إحرامه في وقت صلاة فريضة حتى يحرم عقيبها، فإن لم يتفق ذلك صلى ركعتين، فإذا فرغ من صلاته نوى ما أحرم له من إفراد الحج، أو تمتع بالعمرة إلى الحج، أو القران بين العمرة والحج ويقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة، أو القران بين الحج والعمرة، فيسر ذلك لي. ويلبي بما أحرم له، ثم يدعو بما أحب، ويسير ويسبِّح في طريقه ويهلل ويكبر ويقرأ ويستغفر اللّه، فإذا استوى بظهر البيداء ابتدأ التلبية. قال القاسم عليه السَّلام: لا بأس بأن يستبدل المحرم بثوبي إحرامه. وقال أبو العباس: ما زاد المحرم من الأزر فلا بأس بذلك. وقال أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه - في المحرم معه كساء لم يلبسه في حال إحرامه -: يجوز أن يلبسه وهو محرم. والمرأة إذا أرادت الإحرام، فإنها تغتسل وتصلي كما ذكرنا، وتلبس القميص والمقنعة والسراويل. فإن لم يجد من يريد الإحرام ماءً تيمم إن كان محدثا أو جنبا، ويجزيه تيمم واحد عن حدثه وجنابته لصلاته.
باب الإفراد
إذا أحرم المفرد بالحج على الوجه الذي ذكرنا واستحضر النِّيَّة له، قال/111/: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني ومحلي حيث حبستني، أحرم لك بالحج شعري وبَشَرِي ولحمي ودَمِي وما أَقَلَّتِ الأرضُ مِنِّي. ثم يقول: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والمُلك لا شريك لك لبيك، ذا المعارج لبيك، لبيك بحجة لبيك. ثم يسير في طريقه ويكبر ويهلل ويقرأ ويستغفر اللّه، فإذا استوى بظهر البيداء ابتدأ التلبية يرفع بها صوته رفعاً متوسطاً، وكلما علا نَشْزاً من الأرض كَبَّر وإذا انحدر لبَّى، ولا يُغْفِل التلبية الفَيْنةَ بعد الفَيْنَة، ويلبي راكباً وماشياً، وفي أَدْبار الصلوات وعند الأسحار، كما ذكره القاسم عليه السَّلام في المناسك. فإذا انتهى إلى الحرم اغتسل، وذلك سُنَّة، ثم يقول: اللهم إنَّ هذا حرمك وأمنك الذي اخترته لنبيك وقد أتيناك راجين. فإذا دخل مكة كان مخيراً بين تقديم الطواف والسعي وبين تأخيرهما إلى أن يعود من منى. فإذا نظر إلى الكعبة - قال القاسم عليه السَّلام - يقول: اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النَّار، اللهم فأعذني من عذابك، واخْتَصَّني بالأجزلِ من ثوابك، ووالديَّ وما ولدا، والمسلمين والمسلمات، يا جبار الأرضين والسموات. وإذا أراد تقديم الطواف والسعي دخل المسجد متطهراً، و المستحب أن يغتسل لدخوله. ثم يبتدئ بالطواف من الحجر الأسود ويأخذ في المشي عن يمينه من الحَجَر. قال أبو العباس: فإن أخذ عن يمين الحجر ويسار نفسه أعاد، إلاَّ ما طاف عن يمينه، على أصلهم، ويسير حتى يأتي باب الكعبة ثم يأتي الحِجْر، ثم يأتي الركن اليماني، ثم يعود إلى الحَجَر الأسود، فيكون ذلك شوطاً واحداً، ويطوف على هذا المنهاج سبعة أشواط، يبدأ بالحجر الأسود ويختم به في كل شوط، ويرمل في ثلاثة أشواط منها، ويمشي في الأربعة الباقية. قال القاسم عليه السَّلام: الرَّمل فوق المشي ودون السعي. ويستلم الحجر الأسود ويقبله إن تمكن من ذلك، واستلامه يكون بيمنى يديه، على ما حكاه أبو العباس عن محمد بن يحيى، ويستلم الأركان كلها إن أمكنه، وما لم يتمكن من استلامه منها أشار إليه بيده، ويقول عند/112/ استلامه لها: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ . ويقول إذا ابتدأ الطواف: بسم اللّه وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإذا حاذى باب الكعبة قال - وهو مقبل عليها -: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النَّار. ثم يقول عند مُضِيِّه في باقي طوافه: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم. يردد ذلك في حال طوافه ويسبح اللّه ويهلله ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ويقول عند استلامه الأركان وإشارته إليها: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ . قال أبو العباس فإذا انتهى إلى مؤخر الكعبة وهو المُسْتَجَار دون الركن اليماني بقليل بسط في الشوط السابع يديه على البيت وألصق به بطنه وخَدَّيه، وقال: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النَّار. وأما المرأة فإنها لا تهرول في طوافها وسعيها ولا تزاحم الرجال ولا تستلمفي الزحمة، وإن لم يمكنها ذلك إلا بمزاحمة الرجال أشارت، وتخفض صوتها عند التلبية، والوقوف في أسافل الصفا والمروة أزكى لها. فإذا فرغ من الطواف صَلَّى ركعتين وراء مقام إبراهيم عليه السَّلام، يقرأ في الأولى منهما: بفاتحة الكتاب وقل يأيها الكافرون، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد، وإن قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون جاز، وإن قرأ بغيرهما من المفَصَّل جاز. ثم ينهض ويستقبل الكعبة ويدعو بما يريده لنفسه ولغيره. ثم يدخل زمزم إن أحَبَّ ويشرب من مائها ويَطَّلع فيها. ثم يخرج إلى الصفا من بين الأسطوانتين المكتوب فيهما، فإذا استوى عليه استقبل الكعبة بوجهه، ويدعو بما حضره ويسبِّح اللّه ويهلله ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. قال يحيى عليه السَّلام: يقرأ الحمد وقل هو اللّه أحد والمعوذتين وآية الكرسي وآخر الحشر، ثم ليقل: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، نَصَر عبده وهزم الأحزاب وحده لا شريك له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، اللهم/113/ اغفر لي ذنبي، وتجاوز عن خطيئتي، ولا تَرُدَّني خائباً يا أكرم الأكرمين، واجعلني في الآخرة من الفائزين. ثم ينزل عن الصفا ويمضي حتى إذا حاذى المِيْل الأخضر المعلق في جدار المسجد هرول حتى يحاذي المِيْل المنصوب في أول السراحين، ثم يمشي حتى ينتهي إلى المروة، ويدعو في حال سعيه، ويصعد المروة ويواجه الكعبة ويدعو بمثل ما دعا به على الصفا، فيكون ذلك شوطاً واحداً، ثم يعود إلى الصفا ويسعى بينهما كذلك سبعة أشواط.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:15
قال القاسم عليه السَّلام في (مناسكه) : يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. قال أبو العباس: إذا بلغ المروة كان شوطاً وإذا عاد إلى الصفا كان شوطاً، وحكاه عن القاسم، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من الطواف والسعي. ثم يأتي رحله، فإذا كان يوم الترويةسار ملبياً إلى منى، ويستحب له أن يصلي الظهر والعصر بمنى، والمغرب والعشاء الآخرة ليلة عرفة ويبيت بها، فإذا أصبح يوم عرفة صلى بها صلاة الفجر، وإن أتاها في آخر ليلة عرفة أستحب له أن يُعَرِّسَبها ساعة، فإذا أصبح صلى بها صلاة الفجر. ثم يسير منها إلى عرفة، وليكن في هذا اليوم صائماً إن استطاع، فإذا انتهى إليها نزل بها حتى يصلي الظهر والعصر، ثم جاء إلى الموقف، فإن أحب أن يأتيه بعد الظهر فعل، ثم يقف في الموقف، وعَرَفَةُ كلها موقف ما خلا بطن عُرَنَة، وينبغي له أن يجتهد في الدُّنُوِّ من موقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما بين الجبال، فإذا وقف ذكر اللّه تعالى وسَبَّحه وهلله واستغفره ودعا لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، إلى أن تَجِبَ الشمس، والمستحب في الوقوف هو الجمع بين جزء من النهار وجزء من الليل، على أصل يحيى عليه السَّلام. فإذا غربت الشمس أفاض ملبياً نحو المزدلفة بالسَّكينة والوقار، ويكثر من الذِّكر والإستغفار، ولا يصلي المغرب والعشاء الآخرة حتى يحصل بها، ثم يجمع فيما بينهما. فإذا طلع الفجر صلى بها صلاة الصبح، ثم يمضي إلى المشعر الحرام فيقف به ساعة يدعو اللّه ويذكره ساعة، ويسبِّحه ويهلله ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. ثم يسير عائداً إلى منى يلبي ويدعو ويهلل ويقرأ على حال الخشوع والوقار/114/ حتى إذا انتهى إلى وادي مُحَسِّر - وهو ما بين المزدلفة ومنى - استحب له أن يسرع السير حتى يجاوزه. وإن جمع بين المغرب والعشاء أو فرق بينهما في الطريق قبل أن يأتي المزدلفة لم يجزه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، فإذا انتهى إلى منى حَطَّ بها رحله. ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات، ويقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها، ولا يقطعها قبل ذلك، وَلْيَرْمِ بالحصيات السبع مفترقة واحدة بعد واحدة، فإن رمى بها دفعة واحدة أعاد. قال القاسم عليه السَّلام: ولتكن الحصيات في يده اليسرى، ويرميها بيده اليمنى، وليكن بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً، ويكبِّر مع كل حصاة يرميها، ويأخذ الحصيات من المزدلفة، وإن أخذها من بعض جبال منى وأوديتها جاز، ويستحب له أن يغسلها، ويستحب له أن يرمي وهو على طهارة، ولا بأس بأن يرمي راكباً. قال أبو العباس: وتكون كل حصاة قدر أنملة. ثم يأتي رَحْلَه فيضحي إن أراد ذلك بما شاء، من بدنة أو بقرة أو شاة، وفَرَّق الباقي على المساكين، وأولى المساكين بذلك من قَرُبَ من رحله. ثم يحلق رأسه أو يُقَصِّر، فإذا فعل ذلك حَلَّ له كل شيء حَرُمَ عليه بالإحرام من الطِّيب ولبس المخيط وغير ذلك، مما لا يجوز للمحرم لبسه، ولا يبقى عليه مما يمنع منه الإحرام إلا وطءَ النساء؛ فإن ذلك لا يحل له إلا بعد طواف الزيارة. ثم يعود إلى مكة في يومه ذلك، وهو يوم النَّحْرِ إن أحَبَّ أو في أي يوم أراد من أيام منى، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر. فإذا عاد إليها طاف طواف الزيارة، ولا يرمل في شيء من أشواطه، وهو الطواف الفَرْضُ الذي لايتم الحج إلا به، فإذا طافه حَلَّ له وطءَ النساء. ووقتهممتد من أول يوم الرمي، وهو يوم النحر إلى آخره، وهو أربعة أيام، فإن كان اختار تأخير الطواف والسعي عند قدومه مكة طاف أولاً وسعى لحجته إذا عاد إليها من منى، ثم يطوف طواف الزيارة. وإذا كان ثاني يوم النحر أخذ إحدى وعشرين حصاة بعد زوال الشمس، ثم يأتي الجمرة التي في وسط منى وهو متطهر فيرميها بسبع حصيات، ويكبر/115/ ويهلل عند رمي كل حصاة، ثم يأتي الجمرة التي تليها فيرميها كذلك بسبع حصيات، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها كذلك بسبع حصيات، ثم ينصرف إلى رحله. فإذا كان يوم الثاني وهو الثالث من يوم النَّحر أخذ أيضا إحدى وعشرين حصاة بعد زوال الشمس، وأتى هذه الجمرات، فيرمي كل جمرة منها بسبع حصيات كما فعل في اليوم الأول والثاني، ويقف عند الجمرة الأولى والثانية، ويدعو ولا يقف عند جمرة العقبة، فإن أحب أن يَنْفُر في هذا اليوم ويعود إلى مكة فَعَل فإنَّه النفر الأول. قال القاسم عليه السَّلام: ويترك باقي الحصى بمنى، وهي إحدى وعشرون حصاة؛ لأن الجميع سبعون حصاة، وإن أحب أن يتم الرمي وينفر في النَّفر الثاني أقام إلى غَدٍ، فإذا ارتفع النهار رمى هذه الجمرات بباقي الحصى، كما فعل في اليومين الأولين، وإن شاء أقام إلى بعد الزوال فيرمي وقد زالت الشمس، وهو مخير في ذلك، فإذا عاد إلى مكة فقد تم حجه، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع، فإذا أراد الرَّحيل طاف بالبيت طواف الوداع.
باب التَّمَتُّع
المتمتع بالحج هو: من يتمتع بالعمرة إلى الحج، فيبتدئ بالعمرة، فإذا طاف لها وسعى وفرغ من ذلك قَصَّر وحَلَّ من إحرامه، ثم يبتدئ بالإحرام للحج، فيكون قد تمتع فيما بين إحرامي العمرة والحج بما لا يجوز للمُفْرِد والقارن أن يتمتع به، مما يمنع منه الإحرام من الطيب ولبس الثياب والوطء وغير ذلك، والتمتع هو الانتفاع. ولصحة التمتع بالعمرة إلى الحج شروط، منها: أن لا يكون الحاج المتمتع من أهل مكة، ولا من أهل المواقيت، ولا مَنْ داره بين الميقات وبين مكة، على أصل يحيى عليه السَّلام ومقتضى كلامه، وعلى ما خَرَّجه أبو العباس. وتحصيل المذهب فيه أن مَنْ يكون ميقاته داره لا يكون متمتعاً. ومنها: أن يكون إحرامه للعمرة في أشهر الحج، فلا يكون عند وروده الميقات معتمراً عمرة قد أحرم لها قبل أشهر الحج. ومنها: أن تكون عمرته في هذه الأشهر قد أحرم لها عند ورود الميقات أو قبله. ومنها أن تكون العمرة والحج في سفر واحد. ولو أن رجلاً ورد مكة معتمراً في/116/ غير أشهر الحج وأقام بها، ثم اعتمر بها في أشهر الحج، ثم حج لم يكن متمتعاً، وكانت حجته مكية. ولو أن رجلاً اعتمر في أشهر الحج وأقام بمكة إلى السنة الثانية، ثم أعتمر أيضا في أشهر الحج لم يكن متمتعاً، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلاً أحرم بالعمرة في أشهر الحج في ميقات بلده أو قبله وورد مكة وقضى عمرته ثم اعتمر بها عمرة أخرى وحج في تلك السنة كان متمتعا بالعمرة الأولى، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وقد ذكره أبو العباس. ولو أن رجلاً أحرم بالعمرة من ميقات بلده أو قبله في أشهر الحج، وورد مكة فاعتمر، وفرغ من العمرة وحَلَّ منها ثم عاد إلى أهله، وورد ثانياً في تلك السنة، وحج لم يكن متمتعاً، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. والمتمتع إذا انتهى إلى الميقات أحرم لعمرته كما ذكرنا، ونوى أن إحرامه للعمرة متمتعاً بها إلى الحج، وينطق بذلك فيقول: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي. ويذكر ذلك في تلبيته ويفعل في إحرامه ومسيره وعند انتهائه إلى الحرم ما ذكرنا أن المُفْرِد يفعله، إلا أنَّه يقطع التلبية عند نظره إلى الكعبة وابتدائه بالطواف، ثم يطوف ويسعى لعمرته كما بينا أن المفرد يفعله لحجته. فإذا فرغ من ذلك قَصَّر من شعره. قال أبو العباس: يأخذ من مقدم رأسه ومؤخره وجانبيه ووسطه، ويجزيه أن يأخذ قدر أنملة. قال القاسم عليه السَّلام: يأخذ ما وقع عليه اسم التقصير من وسط ليس فيه تقصيرولا إفراط، وروي عن القاسم عليه السَّلام أنَّه يُقَصِّر ولا يحلق. فإذا كان يوم التروية أحرم للحج وأَهَّل به من المسجد أومن حيث شاء من مكة، ثم يخرج إلى منى ويفعل في حجه جميع ما ذكرنا أن المفرد يفعله، إلا أنَّه يجب عليه الهدي فينحر بَدَنَةً أو يذبح بقرة أو شاة إما مفرداً بالهدي أو يكون مشتركاً فيه بينه وبين غيره، على ما نبينه في باب الهدي، ويأتي بسائر أعمال الحج. فإذا عاد إلى مكة من منى طاف وسعى لحجته ثم يطوف طواف الزيارة، ثم يطوف طواف الوداع كما ذكرنا. والمتمتع إذا فرغ من العمرة فله أن يتحلل، ساق الهدي أو لم يسق، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام/117/ .
باب القِرَان
القِرَان هو: أن يجمع بإحرام واحد بين العمرة والحج، ولا يفصل بينهما، ولا يُحِلُّ من إحرامه بعد الفراغ من العمرة، ويصل ذلك بأعمال الحج، ويسوق بَدَنَةً من موضع إحرامه إلى منى ، فإن القِرَان لا يكون إلا بسوق بدنة، فإذا حضر الحاجُّ الميقات وأراد القران أناخ بدنته، فإذا اغتسل ولبس ثوبي إحرامه، عَمَد إلى البدنة فَيُشْعِرَهَابِشَقٍّ في شِقِّ سَنَامها الأيمن حتى يُدْمِيَها، ويقلدها فَرْدَ نعله ويجللها بأي جَلٍّ كان، ويصلي ويحرم كما ذكرنا، وينوي في إحرامه القران بين العمرة والحج، وينطق بذلك فيقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة معا ًفيسرهما لي. ويذكر ذلك في التلبية ويفعل في مسيره وعند انتهائه إلى الحرم وإلى مكة وعند دخول المسجد ما ذكرناه.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:16
ثم يطوف سبعاً كما بينا، ويسعى بين الصفا والمروة لعمرته، وينوي ذلك ولا يُقَصِّر شيئاً من شعره إذا فرغ من ذلك، ويثبت على إحرامه، ثم يطوف ويسعى ثانياً لحجته إن أحب تعجيل ذلك، ثم يخرج إلى منى يوم التروية، ويأتي بباقي أعمال حجته كما وصفنا. فإن قَرَنَ من غير سَوْقِ بدنة جاهلاً بذلك، فعليه بدنة ينحرها بمنى، هكذا حكى أبو العباس عن محمد بن يحيى عليه السَّلام، والصحيح على أصل القاسم ويحيى عليهما السَّلام أنَّه لا يكون قارناً إذا لم يسق الهدي. ويستحب له أن يقف ببدنته المواقف التي يقفها.
باب ذكر ما يفعله الإمام في أيام الحج
ينبغي للإمام أن يخطب النَّاس بمكة قبل يوم التروية، ويعلمهم فيها مناسك الحج وما يعملونه فيه، فإذا كان يوم التروية خرج عند انتصاف النهار إلى منى، فيصلي بالناس بها الظهر والعصر، ويقيم بها حتى يصلي المغرب والعشاء الآخرة ويبيت، فإذا أصبح صلى صلاة الصبح، ثم يتوجه إلى عرفة فيخطب هناك كما خطب بمكة، ويفصل بين كلامه بالتلبية، ثم يعود إلى الخطبة ويفعل ذلك ثلاثاً أو خمسا أو سبعاً، وحكى أبو العباس عن محمد بن يحيى رضي اللّه عنه أنَّه يخطب يوم/118/ النَّحر للعيد وأنه يصلي صلاة العيد ثم يخطب.
باب واجبات المناسك التي يُجْبَر تركها بالدم
وما يستحب فعله منها وما يتصل بذلك
من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى خرج من مكة، فعليه أن يرجع ويسعى، فإن لم يمكنه الرجوع فعليه دَمٌ يُرِيْقُهُ في أي موضع كان، ومتى رجع إلى مكة قضاه استحباباً، ومن ترك طواف القدوم فإنه يطوف مادام بمكة، فإن خرج من غير أن يطوفه فعليه دم، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال القاسم عليه السَّلام: إن فرق بين الطواف والسعي لعلة فلا بأس، ويسعى في آخر يومه أو في غده، فإن كثرت الأيام استحب له أن يُرِيْقَ دماً. ومن دخل الحجر في طوافه جاهلاً بالنهي عنه فلا شيء عليه، وإن دخله مع العلم بذلك فعليه دم، وهذا في الطواف الواجب إذا لم يعده، فإن أعاده لم يلزمه شيء. قال أبو العباس: إن نَكَّس الطواف كله أعاده، وإن نكس السعي ألغى الأولفلايحتسب به. والقارن والمتمتع إذا أخَّرا ذبحَ هديهما حتى تخرج أيام النَّحر، فعليهما أن يذبحا ما لزمهما من الهدي، وأن يريقا دماً لتأخير ذبحه عن وقته، ولهما أن يأكلا من الأول دون الثاني الذي هو الجزاء. ومن عرض له عارض في طوافه وسعيه فقطعه، فإنَّه يبني على ما طاف وسعى، ولا شيء عليه. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام فيما حكاه عنه أبو العباس: مَنْ بات عشية عرفة في غير المزدلفة لعذر أو لغير عذر فعليه دَمٌ. ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر يوم النحر إلا النساء لضعفهن. قال القاسم عليه السَّلام - في المريض الذي لا يستطيع الرمي -: يُرمَى عنه ويُهْرِيْقَ دماً. ومن أخر الرمي عن وقته ورمى في آخر أيام التشريق، فعليه دم، وكذلك إن أخر كل رمِي يوم إلى الغد، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فإن رمى بسبع حصيات مجتمعة لم يعتد بما رمى منها، ويعيد رميها واحدة بعد أخرى، ومن نسي من رميه حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وذكر ذلك في أيام التشريق، فعليه أن يرمي بما نسيه، ويتصدق عن كل حصاة بنصف صاع من طعام، وإن نسي من/119/ كل جمرة أربع حصيات ورماها بثلاث، فعليه دمٌ، ويرمي بما نسيه إن كان بقي من أيام الرمي شيء، وتحصيل المذهب فيه أنَّه إن كان رمى جمرة من الجمار بأكثر الحصيات، فعليه عن الباقي صدقة، وإن رمى بأقلها فعليه دم. ومن عاد إلى مكة في أيام منى فدخلها نهارا وأقام بها إلى الليل، فعليه دمٌ، ومن دخلها ليلاً فأقام بها إلى أن يصبح، فعليه دم. قال في (المنتخب) : إذا كان دخلها في أول الليل. قال أبو العباس: ويجب عليه ذلك، يعني الدم، ليلة النفر الثاني إذا لم يكن نَفَرَ، وإن كان نفر لم يلزمه شيء، كما يجب عليه في حج التطوع من الكفارة والفدية ما يجب في واجبه، وإن لم يكن عليه إذا لم يتطوع. قال رحمه اللّه: وليالي منى ثلاث؛ لأن ليلة النحر هي لمزدلفة. قال: وإن فرق البيتوته: كان عليه لكل واحدة منها كفارة، كما نصّ يحيى عليه السَّلام، على أن المحرم إذا فَرَّق لباس رأسه وبدنه ورجليه، كان عليه لكل واحد منهما كفارة، وإن كان ذلك إذا وصل يجب فيه كفارة. ومن جامع بعدما رمى وحلق قبل أن يطوف طواف الزيارة، فعليه دم. قال يحيى عليه السَّلام في المتمتع إذا جامع بعدما طاف وسعى لعمرته قبل أن يُقَصِّر: فأكثر ما عليه دم. قال القاسم عليه السَّلام: يستحب له أن يريق دماً، وإن أخَّرَ الحاج طواف الزيارة إلى آخر أيام التشريق، جاز ذلك ولا شيء عليه، فإن أخره حتى تمضي أيام التشريق فعليه دم، على مقتضى منصوص يحيى عليه السَّلام. ومن طاف طواف الزيارة وهو جُنُب ناسياً، أو طافته امرأة حائضاً، وجب عليهما إعادته ما داما بمكة، فإن لحقا بأهليهما من غير إعادة، فعلى كل واحد منهما بدنة، ومتى عادا قضياه، وكذلك من طافه على غير وضوء فإنه يتوضأ ويعيده، فإن لم يعده فعليه دم. ومن نسي طواف الزيارة فعليه الرجوع حتى يقضيه، وإن كان قد لحق ببلده فإلى أن يرجع يكون حكمه حكم المحصر. قال أبو العباس: يكون حكمه حكم المحصر في أن ينتظر العود لا في أن له الإحلال من النساء، فإنه لا يزال ممنوعاً من وطئ النساء إلى أن يقضيه، ويجوز أن يقال: إنَّه في حكم المحصر، على معنى أنَّه ممنوع من وطئ النساء فقط دون غير ذلك، مما يَمْنَع منه/120/ الإحرام، فإن وطأ فعليه بدنة. ولو أن قارناً دخل مكة وخشي أن يفوته الحج، فلم يطف ولم يسع لعمرته، وبادر إلى عرفات، ثم علم أن في الوقت فضلاً فعاد إلى مكة وطاف وسعى لعمرته؛ كان عليه دم لرفضه لعمرته؛ لأنَّه صار رافضاً لها بدخوله في أعمال الحج ونيته له، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن عرض له عارض في طوافه، فقطعه، فإنه يبني على ما طاف ولا شيء عليه، وكذلك إن قطع سعيه. قال القاسم عليه السَّلام - فيما روى عنه يحيى - فيمن نسي التلبية حتى قضى مناسكه كلها: لا شيء عليه، وينبغي ألاَّ يتركها متعمدا، ولا يبعد أن يكون المراد به غير النطق الذي ينعقد به الإحرام. ومن سعى بين الصفا والمروة وهو على غير طهارة فقد أساء، ولا شيء عليه. ولا يكره الطواف في شيء من الأوقات إلا في الأوقات الثلاثة التي نُهِيَ عن الصَّلاة فيها. قال القاسم عليه السَّلام - فيما حكاه عنه على بن العباس -: من نسي ركعتي الطواف قضاهما حين يذكر. وقد ذكر ذلك أبو العباس. قال أبو العباس: ويكره - فيما نصه محمد بن يحيى عليهما السَّلام - جمع أسابيع الطواف وصلواتها، وروى النيروسي عن القاسم عليه السَّلام، قال: سألته عن رجل يطوف أسبوعين أو ثلاثة كم يصلي لها؟ قال: يصلي لكل أسبوع منها إذا فرغ ركعتين. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: ليس هذا [هو] المخالف لما ذكره محمد بن يحيى عليه السَّلام من كراهة ذلك، إذ هو بيان كيفية ما عليه من الصَّلاة إذا فعل ذلك، وهو لا يدل على أنَّه غير مكروه. ويكره الكلام في الطواف ولا يفسده، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام. ومن ترك من السعي أربعة أشواط فعليه دم، فإن ترك ثلاثة أطعم عن كل شوط مسكيناً، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن حلق قبل الذبح ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ويكره ذلك للعامد، وكذلك القول فيمن قدم الذبح على الرمي، والحلق على الرمي، على ما يقتضيه تنبيه يحيى عليه السَّلام على ذلك. قال محمد بن القاسم فيمن ترك الرمل في الطواف والسعي: يكون مسيئاً ولا شيء عليه، وكذلك من ترك استلام الحجر الأسود. ومن غلط فطاف ثمانية أشواط رفض الثامن، ولا شيء عليه. قال /121/ القاسم عليه السَّلام - فيما حكاه عنه علي بن العباس -: من لم يدر أستاً طاف أو سبعاً؛ فليعد، وهذا على أصله وأصل يحيى عليه السَّلام، إذا لم يغلب على ظنه عدد ما فعل منه. وطواف الوداع وهو طواف الصَّدَر، واجب، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام، فإذا طاف للوداع ثم أقام بمكة أياماً، فإنه لا يجزيه عن طواف الوداع، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السَّلام.
باب ذكر ما يفسد الحج وما يتصل بذلك
من جامع قبل الوقوف بعرفة أو بعد الوقوف بها إلى أن يرمي جمرة العقبة، فسد حَجُّه. والتَّحلل يقع بالرمي، ولا يعتبر فيه الحلق، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وهو الذي ذكره أبو العباس وخرجه على المذهب. ومن أفسد حجه بالجماع فعليه أن يمضي في حجه الفاسد وأن ينحر بدنة، وأن يحج في السنة المقبلة وأن يحج بامرأته التي أفسد عليها حجها، وإن كانت امرأته طاوعته وجب عليها أيضا أن تنحر بدنة، وإن كان الزوج أكرهها وجب عليه أن ينحر عنها بدنة، ولم يلزمها ذلك، فإذا حجا في السنة الثانية فبلغا الموضع الذي أفسدا فيه حجهما افترقا، والإفتراق ألاّ يركبا في مَحْمَل واحد ولا يخلوا في بيت واحد، ويجوز أن يكون بَعِيْرُ أحدهما قَاطِراً إلى بعير الآخر. قال أبو العباس: فإن لم يجد بدنة صام مائة يوم، فإن لم يطق أطعم مائة مسكين.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:17
والإحرام يفسد بالوطئ إذا وقع على وجه النسيان، كما يفسد بالعمد، ولزوم القضاء والفدية، على ما يقتضيه ظاهر إطلاق يحيى، وإحرام العمرة كإحرام الحج في فساده بالوطئ ولزوم القضاء والفدية، على مقتضى أصل يحيى عليه السَّلام. والقارن إذا فسد حجه فعليه دم لقرانه وبدنتان، بدنة لإفساد حجه، وبدنة لإفساد العمرة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، ومن أتي امرأته في الموضع المكروه أو تلوط أو أتى بهيمة في حال الإحرام فحكمه حكم من وطئ الفَرْجَ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
باب الهدي وما يتصل بذلك
الهدي في عرف الشرع: اسم لما يُنْحَر أو يُذْبح بمنى أو بمكة وجوباً أو قُرْبَة، وهو يجمع الإبل والبقر والغنم، والبدنة: اسم يختص الإبل، والهدي يجمع الثلاثة، ومن يجب عليه الهدي لأجل الحج فهو القارن والمتمتع، والقارن يجب عليه نحر بدنة قد ساقها، وكذلك إن لم يسقها، والمتمتع يجب عليه ما استيسر من الهدي وأفضله: البدنة ثم البقرة ثم الشاة. والبدنة تجزئ عن عشرة من المتمتعين، والبقرة عن سبعة - قال في (الأحكام) : إذا كانوا من أهل بيت واحد -، والشاة عن واحد. قال أبو العباس: إنما يجوز الإشتراك في الهدي إذا كان من يشاركه في الهدي مؤدياً فرضاً، وإذا لم يكن مؤدياً فرضاً لم يجز أن يشاركه متقربا كان أو غيره، وعلى هذا يدل ظاهر قول يحيى عليه السَّلام: تجزئ البدنة عن عشرة من المتمتعين. والأقرب أن يكون قوله إذا كانوا من أهل بيت واحد إنما قصد به أن يعرف بعضهم أحوال بعض، فيعلم كل واحد منهم أن شريكه مثله في كونه مؤديا للفرض. قال القاسم عليه السَّلام، في مسائل النيروسي: وما أحب للتمتع أن يشارك في دم، فإن لم يجد ما ينفرد به، صام ما أمره اللّه تعالى به. قال أبو العباس: معنى وقوله: فإن لم يجد ما ينفرد به. هو: أن لا يجد من يشاركه في غير الشاة إلا حلالا. قال: والتفرد أفضل ما أمكن، ولو أن سبعة من المتمتعين اشتركوا في بدنة، فضلت عنهم أو سُرِقَت وأخلفوا مكانها أخرى ثم وجدوا الأولى فعليهم أن ينحروا إحداهما وينتفعوا بالأخرى، إن شاؤا ببيع أو غيره، فإن اشتركوا في هدي تطوعا فَضَلَّ ثم أخلفوا بدله أجزى، ثم وجدوه، وجب عليهم أن يهدوهما جميعاً وينحروهما، ولا يجوز أن ينتفعوا بواحد منهما، ومن ساق هدياً، بدنة كانت أو بقرة أو شاة فَنَتَجَتْ في الطريق فالولد هدي كالأم، ولا يجوز لصاحبها أن يشرب من لبنها أو يسقي أحداً غيره، فإن فعل فليتصدق بقيمته، فإن خشي على الهدي من تركه في ضَرْعِه حَلَبَه وتصدق به، وإن خاف على الهدي عَطَباً في الطريق جاز أن يبيعه ويستبدل بثمنه هدياً آخر، فإن كان ثمنه قاصراً عن ثمن مثله وجب عليه أن يتمه من عنده، وإن كان/123/ زائداً اشترى بالزيادة هدياً آخر، ولو شاة، فإن لم يبلغ قيمته شاة اشترى به طعاماً وتصدق به، وكل هدي يساق للعمرة فهو مضمون على صاحبه إلى أن يبلغ الحرم، فإن عطب دونه ضمنه، فإن بلغ الحرم وخشي عطبه فنحره أجزأه، وكل هدي للحج فإنه يكون مضمون عليه إلى أن يبلغ منى، فإن تلف دونه ضمنه صاحبه. ومكة محل المعتمرين كما أن منى محل الحاجين. والمتمتع إذا لم يجد الهدي صام قبل التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة، فإن خشي قبل انتهائه إلى مكة أن لا يجد الهدي وأن لا يتمكن من صيام هذه الثلاثة، جاز أن يصومها إذا أحرم بالعمرة، ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله. قال القاسم عليه السَّلام: فإن صامها في طريقه في المُنْصَرف أجزأه، وإن صامها عند أهله وصل صيامها ولم يفرقه. وهذا على الإستحباب عند أصحابنا. وقال عليه السَّلام: إمكانه وتيسيره بالغناء والجِدَة. قال القاسم عليه السَّلام - فيمن فاته صيام الأيام الثلاثة قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة - صامها في أيام منى، فإن لم يصمها حتى خرجت فعليه دم، فإن صامها ثم وجد السبيل إلى الهدي فإن وجده في أيام النحر فعليه الهدي، ولا يعتد بصيامه سواء وجده قبل التحلل أو بعده، على موجب ظاهر المذهب، فإن وجده بعد أيام النَّحر فلا شيء عليه. وعلى هذا إن وجده وقد دخل في الصوم ولم يفرغ عنه، فالأولى أن يلزمه الإنتقال إلى الهدي وأن لا يعتد بما صام، وكل هدي يكون عن كفارة أو جزاء أو فدية، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يأكل منه، ولا أن ينتفع به، ولا أن يعطي من يجزره أو يذبحه منه جلدا ولا لحماً. والبدنة إذا سيقت وهي هدي فلا يجوز أن يُحْمَل عليها شيء، إلا أن تَنْتُج فيحمل عليها ولدُها، ولا يجوز أن يركبها هو، ولا من يتصل به من خدمه، ولا مِنْ غيرهم إلاَّ من ضرورة، فيركب ركوباً خفيفاً لا يتعبها ولا يغيرها. فإن رأى صاحبها رجلا من المسلمين قد فَدَحَهُ المشي جاز له أن يُرْكِبه إياها في الوقت بعد الوقت والليلة بعد الليلة.
باب ذكر الحاج إذا ورد الميقات عليلاً والمرأة إذا وردته حائضاً أوحاضت بعد ذلك
الحاج إذا ورد الميقات وهو عليل علة لا يستطيع معها الإحرام والدخول في الحج، ولا يعقل، فإنه يُؤَخَّر أمره إلى آخر المواقيت ثم يُجَرَّد من ثيابه ويُغْسَل أو يُصَبُّ عليه الماء صباً إن لم يضره ذلك، فإن كان التجرد من الثياب يضره فإنه يلبس ما يحتاج إليه من الثياب وعليه الفدية، ثم يُهَلُّ عنه بما كان نواه من حج أو عمرة، ويقول من ينوب عنه: اللهم هذا عبدك قد خرج قاصداً إلى الحج، وقد أحرم لك شعره وبشره ولحمه ودمه. ثم يلبي عنه، ويجنبه ما يجب على المحرم اجتنابه، وينوب عنه في ذلك رفقاؤه ومن هو أخص به من عشيرته وأهله أوزميله. فإن أفاق عند انتهائه إلى مكة قضى أعمال مناسكه، وإن لم يفق فإنه يُطَافُ به ويُسْعى بين الصفا والمروة، ثم يُحْمَل إلى مِنَى، ثم إلى عرفة فيوقف به هناك، ثم يُفَاضُ به إلى المزدلفة فيبيت هناك، ثم يُحمل في اليوم الثاني وهو يوم النَّحر إلى المَشْعَر الحرام، ثم يرد إلى منى ويُرْمَى عنه وينحر أو يذبح إن لزمه الهدي، ويُحْلَق رأسه أو يُقصر ويُرْمَى عنه في سائر أيام منى، ويرد إلى مكة ويُطاف به طواف الزيارة، ثم طواف الوداع، وقد تم حجه. فإن احتيج إلى مداواته بدواء فيه طيب أو إلى أن يلبس ما لا يجوز للمحرم أن يلبسه فَعَلَ ذلك، وتلزمه الفدية، فإن مات قبل أن يحل من إحرامه لم يغط رأسه ولم يحنط بحنوط فيه شيء من الطيب، وإن كانت امرأة لم يغط وجهها، ذكر ذلك محمد بن يحيى. وأما المرأة فإنها إذا وافت الميقات وهي حائض فإنها تغتسل وتحرم كما يحرم غيرها من النساء إلا أنها لا تصلي وتفعل جميع ما ذكرنا أن الحاج يفعله، فإذا انتهت إلى مكة فإن كانت قد طهرت اغتسلت وطافت وسعت، وإن لم تكن طهرت فإنها لا تدخل المسجد ولا تطوف ولا تسعى، فإن كانت حاضت بعد الطواف جاز لها أن تسعى وهي حائض، وإن لم تكن طافت للمانع الذي بها، فإنها لا تدخل المسجد وتنتقل يوم التروية إلى منى فتقضي جميع أعمال مناسكها وتعود إلى مكة، فإذا طهرت اغتسلت وطافت لحجتها وسعت، ثم طافت طواف/125/ الزيارة، فإن كانت متمتعة فإنها ترفض العمرة إذا وردت مكة ولما تطهر، ورفضها لها: أن تنوي أنها قد رفضتها وتفرغت عنها لأعمال الحج، وعليها دم لرفضها العمرة، ثم تغتسل وتحرم وتهل لحجتها وتخرج إلى منى وتقضي مناسكها، فإذا عادت إلى مكة طافت لحجتها وسعت، وطافت طواف الزيارة، ثم أحرمت لعمرتها التي رفضتها من أدنى مواقيت مكة، إما من مسجد عائشة، وإما من الشجرة، وإما من الْجُعُرَّانة، ثم تطوف وتسعى لعمرتها، ثم تقصر من شعر رأسها، فتكون قد قضت عمرتها التي رفضتها.
باب ما يجب على المحرم تجنبه وما يجوز له فعله
يجب على المحرم أن يجتنب ما نهاه اللّه جل ثناؤه عنه من الرَّفَثِ والفسوق والجدال، والرفث هو: الجماع، واللفظ القبيح المستشنع. والفسوق هو: أنواع الفسق، ويدخل فيها الظلم والتعدي. والجدال هو: المجادلة بالباطل. ولا يجوز له أن يلبس قميصاً، فإن لبسه جاهلاً أو ناسياً شَقَّه وخرج منه، فإن تعمد ذلك فعليه دمٌ، ولا يلبس عمامة ولا قلنسوة ولا خفين ولا سراويل، فإن لم يجد إزارا ولا نعلين نكس السراويل واحتزم به، وقطع الخفين من أسفل الكعبين ولبسهما، وإن لم يجد رداءً ارتدى بكمي القميص أو بجانبيه معترضاً، فإن لم يمكنه أن يحتزم بالسراويل لضيقه فَتَقَه، فإن لم يمكنه ذلك مع فَتْقِه لضيقه، لبسه وعليه الفدية، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولا يجوز للرجل المحرم ولا للمرأة المحرمة أن تلبس ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس، ولا قميصاً يكون لونه مشبعاً ظاهر الزينة، وكذلك إن كان مصبوغاً بالعصفر، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولا تنتقب المرأة ولا تتبرقع؛ لأن إحرامها في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه، ولا بأس بأن ترخي الثوب على وجهها إرخاءً، ولا تلبس الحلي للزينة، ويجب عليها أن تجتنب سائر ما ذكرنا أن المحرم يجتنبه، إلا القميص وغيره من المخيط والمقنعة والسراويل، ولا يتطيب المحرم ولا يتداوى بدواء فيه طيب ولا يكتحل. قال القاسم عليه السَّلام: يكتحل بما ليست له رائحة طيبة.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:17
ولا يتطيب عند إحرامه ولا يشم طيباً ولا يمسه ولا يشم الرياحين، ولا بأس أن يشم الفواكه، ولا يتطيب عند إحرامه وهو حلال، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام. قال محمد بن يحيى: لا بأس بأن يَدَّهِن بالزيت /126/. ولا يجز شعر نفسه، ولا بأس بأن يحز شعر الحلال، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام. ولا يقتل القمل، فإن قتلها تصدق بشيء من الطعام، فإن أراد تحويل قملة من مكان إلى مكان آخر من بدنه، جاز أن يفعل ذلك. ولا يتزوج ولايُزوج، فإن فعل كان النكاح باطلا، ولا فرق على قياس قول يحيى عليه السَّلام، بين أن يكون الزوج والمرأة جميعاً محرمين، أو الزوج حلال والمرأة محرمة، أو المرأة حلال والزوج محرم، أو وكيل الزوج محرم. ولا يجوز له أن يقتل صيداً ولا أن يصطاده، ولا أن يعين عليه أو يشير إليه أو يفزعه، ولا يجوز له أن يشتريه ولا أن يمسكه، وعليه إرساله سواء كان في يده إذا أحرم أو كان في منزله، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام. ولا يجوز له أكله سواء اصطاده هو أو محرم غيره أو حلال، واصطيد له أو لغيره. ويجوز للمحرم أن يقتل الحدأة والغُراب والفارة والحَيَّة والعقرب وكل ما يخشى ضرره، نحو السَّبُع إذا عدى عليه، والكلب العقور إذا خشي عقره، ونحو البرغوث والبق والدَّبَر إذا تأذى بها، ولا بأس بأن يعصر الدماميل إذا آذاه وَعَثُهَا، وأن يُخْرِجَ من رجله الشوك، فإن احتاج لإخراجه إلى قطع جلدة حتى يدميه فعليه دم، وإن دُمِي لإخراجه من غير قطع فلا شيء عليه، ويجوز له أن يحتجم، فإن حلق شيئا من الشَّعر لأجله أو جَزَّه وكان ذلك يسيراً فعليه لذلك صدقة، فإن كان مما يتبين أثره ففيه الفِدْية، وإن ضَرَبت عليهأضراسه جاز أن يقلعها، ويلزمه عليه دم. قال القاسم عليه السَّلام: ويحتش لدابته من غير الحرم. قال يحيى في (المنتخب) : يجوز للمحرم أن يحتش لناقته وأن يختلي لهابقلاً، وأن يقطع لنفسه مسواكا، سواء كان ذلك من أراك أو غيره، فأما قوله في (الأحكام): ولا يقطع الشجر الأخضر إلا أن يكون شيئا يأكله أو يعلفه راحلته. فليس المراد به عند أصحابنا منع المحرم من قطع الحشيش، وهو محمول على شجر الحرم، وقوله: إلا شيئاً يأكله أو يعلفه راحلته. محمول على ما يرزعه النَّاس في الحرم. قال القاسم عليه السَّلام في الجراد والقِرَاد: لا يقتلهما المحرم، فإن قتلهما تصدق بشيء من الطعام كفاً أو أقل أو أكثر /127/. وقال في النملة والبعوضة: إن قتلهما لضررهما فلا شيء عليه، وإن قتلهما لغيره تصدق بشيء من الطعام. قال القاسم عليه السَّلام: لا بأس للمحرم المصدع أن يعصب جبينه بخرقة، ولا بأس بأن يشد عليه الهِمْيَان الذي فيه نفقته ومعضدتيه. قال: وللمحرم أن يستاك ويغسل جسده ورأسه ولا يغمسه في الماء، ولا بأس أن يغسل ثيابه، فإن أيقن أن بها دواباًقد تلفت بغسله لها تصدق بقدر ما تلف منها. قال القاسم عليه السَّلام: وله أن يحك جسده ورأسه ويرفق لكيلا يقطع شعراً. ولا يُقَبِّل المرأة ولا يمسها إلا من ضرورة. ويجوز له أن يستظل بظلال العماريات والمحامل والمضال والمنازل، ويجب أن لا يصيب شيئاً من ذلك رأسه، والتكشف هو المستحب إن أمكن، على ما نصّ عليه القاسم عليه السَّلام. ولا بأس بأن يذبح الشاة والبقرة والإبل والطيور الأهلية، وكذلك إن توحش شيء منها لا بأس له بأخذه وذبحه، فأما ما كان متوحشا في الأصل مثل حمار الوحش والظبي والوعل والنعامة، وأشباهها فلا يجوز له أن يعرض لها وإن استأنست. قال القاسم عليه السَّلام: ولبس الخاتم من الحلي. وإن اضر برجليه الحفا ولم يجد نعلين كان له أن يقطع الخفين من تحت الكعبين ويلبسهما.
باب ذكر ما يجب على المحرم من الكفارات
إذا احتاج المحرم إلى لبس ثياب لا يجوز له لبسها، أو إلى التداوي بدواء فيه طيب، أو إلى حلق رأسه من أذى، جاز له أن يفعل ذلك وعليه الفدية إذا فعله، سواء كان ذلك من ضرورة أو غير ضرورة. والفدية: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو دم يريقه، وأقله شاة، ولا يعتبر في وجوب الفدية لباس زمان مخصوص وإنما يجب على اللبس فقط، فإن احتاج إلى لباس جميع بدنه من عمامة وقميص وجُبَّة وخف وفرو وما جرى مجرى ذلك، فلبسه أجمع، فعليه فدية واحدة، إلا أن يكون كفر عن لبس شيء منه ثم لبس الباقي من بعد، فإن عليه إذا فعل ذلك فدية ثانية. قال أبو العباس: قد نصّ عليه محمد بن يحيى. وإن احتاج إلى لبس ذلك في أوقات متفرقة فعليه للباس الرأس فدية، وللباس/128/ البدن فدية، وللباس الرجلين فدية، فإن لبس شيئا من ذلك، ثم زاد في اللباس نحو أن يلبس قلنسوة، ثم عمامة، ثم مغفراً، أو أن يلبس قميصاً، ثم جبة، ثم قباً وفرواً، وأن يلبس جَوْرَباً ثم خفاً ونحو ذلك، فإنه يجزيه فدية واحدة إذا لم يُكَفِّر، وإذا لبس ذلك لعلة من العلل جاز له أن يداوم لبسه إلى أن تزول علته وتَجْزِيه فدية واحدة إذا لم يُكَفِّر قبل إتمامه، وإذا خَضَّبَتْ المرأة وهي محرمة، يديها ورجليها في وقت واحد فعليها فدية واحدة إذا لم تُكَفِّر لبعض ذلك قبل إتمامه، فإن كَفَّرت للبعض ثم خَضَّبَت من بعد عضواً آخر فعليها كفارة أخرى، وإن فرقت ذلك فعليها لخضاب اليدين فدية، ولخضاب الرجلين فدية كما ذركنا في لبس الثياب، فإن خضبت أصبعاً من أصابعها فعليها أن تتصدق بنصف صاع من الطعام، وإن طَرَّفَتأنملة فعليها نصف المُد، وإن طَرَّفَت جميع أناملها فعليها أن تتصدق عن كل أنملة بنصف مُدّ، وما زادت أو نقصت كان تقدير الطعام على حسابه، فإن قصر المحرم ظفرا من أظافيره فعليه أن يتصدق بنصف صاع من الطعام، فإن قَصَّر جميع أظافير يديه ورجليه كان الحكم في لزوم الفدية له ما ذكرناه في الخضاب، ويعتبر فيه من حال الجمع و التفريق ما بينا اعتباره في ذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وهكذا ذكر أبو العباس، وقول يحيى في (الأحكام) : إن المحرم إذا قَصَّر ظفراً استحب له أن يتصدق بنصف صاع من طعام. ليس المراد به أن الصدقة مستحبة غير واجبة، وإنما المقصود بذكر الإستحباب: التقدير الذي طريقه الإجتهاد. قال أحمد بن يحيى - في المحرم إذا غطا رأسه ناسياً -: عليه دم بمنى، أو صيام ثلاثة أيام، وكذلك قال أبو العباس في المرأة إذا تنقبت بنقاب يغطي وجهها، إنها تلزمها الكفارة، فإن كَفَّرت ثم عاودت فعليها كفارة أخرى، ولو أن محرماً قَبَّل امرأته فأمنى فعليه بدنة، فإن أمذى فعليه بقرة، فإن كان مع القبلة هيجان شهوة وحركة ولذة فقط، فعليه شاة، وإن حملها من مكان إلى مكان وكان منه شيء، كان حكمه في المني والمذي وتحرك الشهوة من دون خروج شيء ما ذكرنا، وإن نظر لشهوة كان حكمه حكم مَنْ قَبَّلَ، /129/ في جميع ذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فإن قبلها لا عن شهوة ولم يكن منه بعض ما ذكرناه فلا شيء عليه، ومن تطيب ناسياً لإحرامه، لزمته الفدية، على قياس ما نص عليه أحمد بن يحيى عليه السَّلام في المحرم إذا غطا رأسه ناسياً. والوطء يفسد الإحرام، عمداً كان أو سهواً، على موجب إطلاق يحيى عليه السَّلام. والمحرم إذا تعمد قتل صيد، ذاكراً لإحرامه أو ناسياً له، فعليه الجزاء، فإن قتله خطأ فلا شيء عليه، نصّ على هذا القاسم عليه السَّلام، ودل عليه كلام يحيى في (الأحكام) و(المنتخب) . والمبتدئ لقتل الصيد والعائد فيه سواءً في وجوب الجزاء عليهما، على مقتضى إطلاق يحيى، وقد نصّ عليه محمد بن يحيى. والجزاء إما أن يكون مثل الصيد المقتول في الخلقة، أو طعاماً بعدل ذلك المثل، أو صياماً بعدل الإطعام، والمماثلة بين الجزاء وبين الصيد المقتول في الخلقة يثبت إما بخبر يجب العمل به أو بحكم ذَوَيْ عدل بصيرين بالحكومة مع الصلاح في الدِّين، ومن وجب عليه الجزاء فإنه يكون مخيرا بين الأشياء الثلاثة التي ذكرناها، فإذا كان الجزاء الذي هو مثل الصيد المقتول بدنة وأحب العدول إلى الطعام فهو إطعام مائة مسكين، وإن أراد الصيام فهو صيام مائة يوم، فإذا كان الجزاء بقرة فالإطعام هو إطعام سبعين مسكينا، والصيام هو صيام سبعين يوما، وإذا كان الجزاء شاة فالإطعام هو إطعام عشرة مساكين والصيام صيام عشرة أيام، وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الظبي شاة. قال يحيى بن الحسين - في الضبع والسبع إذا قتله المحرم -: فإن كان ذلك في ناحية يفترس فيها فلا شيء عليه، وإن كان في ناحية لا يفترس فيها ففيه شاة. قال: وأعرفه بالحجاز لا يفترس. قال أبو العباس: وعلى هذا لا شيء في الأسد والدُّب والذئب والفهد والنمر.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:18
قال السيد أبو طالب: هذا التخريج الذي ذكره رحمه اللّه ليس بمعتمد؛ لأن يحيى قد نصّ في (الأحكام) على أن المحرم يقتل السبع العادي إذا عدى عليه. وقال أيضا فيه: يقتل كل دابة خشي ضررها. وقال في الكلب العقور يقتله إذا ألحمه نفسه، فشرط في جواز قتله للسبع أن يكون منه تعرض له، وكذلك في غيره، نحو الكلب العقور، وكذلك شرط في غيرهما إن خشي منه الضرر، وهذا يقتضي أن يكون/130/ المراد بما قاله في الضبع أنَّه إذا كان يفترس في ناحية وخشي منه ذلك بأن يتعرض له جاز له قتله، وإذا كان هذا محتملاً وملائماً لما نصّ عليه في السبع وغيره، ومنع بما قاله رحمه اللّه من أن الدُّبُّ والأسد والفَهْد والنَّمِر يجوز له قتله. وفي الوَعِل شاة، وفي الحمام شاة، والقُمْرِي والرَّخَمة والوشم والدَبسي في كل واحد منها شاة، وفي الثعلب شاة، وفي اليربوعوالضَّبِّعَنَاقٌمن المعز، وفي صغار الطيور إذا قتلها المحرم كالعصفور والقَنْبَرة والصَعْوة مُدَّان من الطعام، فإن كانت قيمتها أكثر من ذلك فالقيمة. قال السيد أبو طالب: وهذا يقتضي أنَّه عليه السَّلام يعتبر القيمة فيها، ورأى أن مدين من الطعام على غالب الأحوال يبلغ قيمتها. قال القاسم عليه السَّلام: في العضايةشيء من الطعام كما في الجرادة. وقال في فرخ الطائر، أن علياً عليه السَّلام رُوي عنه، أن في كل فرخ وَلَدُ شاةٍ، وفي بيض النعامة إذا كسره المحرم أو أوطأه راحلته في كل بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين. فإن قتل المحرم شيئاً من الصيد في الحرم فعليه الجزاء وقيمة الصيد، وإن قتله فيه حلال فعليه القيمة. وإن أفزع الصيد بدلالته أو إشارته أو أخذه له ثم أرسله فعليه أن يتصدق بشيء، ويكون كثرته وقلته على حسب ما شاهد من فزعه. والقارن إذا قتل صيداً في الحرم فعليه جزاءان، وكذلك إن فعل ما يمنع الإحرام منه من اللبس والحلق وغير ذلك، فعليه فديتان. ولو أن مفرداً أو قارناً وحلالاً اشتركوا في قتل الصيد في الحرم فعلى المفرد الجزاء أو القيمة وعلى القارن جزاءان والقيمة، وعلى الحلال القيمة. ولو أن محرماً حصل في يده صيد عن اصطياد أو شراء أو غير ذلك فأمسكه ولم يرسله حتى مات فعليه الجزاء، فإن أخذ صيداً فحمله إلى بلده فعليه أن يرده إلى مكانه الذي أخذه منه ويرسله هناك، وأن يتصدق بشيء لإفزاعه له وحصره، وقَدَّر يحيى عليه السَّلام فيه مُدَّين من الطعام بمد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، فإن مات في يده قبل أن يرده فعليه الجزاء. وإن اصطاد ظبية فولدت ولداً أو أولاداً، وجب عليه ردها مع أولادها إلى مكانها، فإن ماتت أو مات أولادها كان عليه لكل واحد منها جزاء، ولو أنَّه أخذ طائراً فنتف ريشه أو قصره فعليه أن يكفله ويعلفه ويتعاهده /131/ حتى ينبت جناحاه ثم يرسله، وعليه صدقة لأخذ ريشه وإفزاعه. ولو أنَّه أخذ صيداً فأخذه منه حلال فأرسله لم يكن على المحرم جزاء ولا على المرسل ضمان، وعلى المحرم أن يتصدق بشيء لإفزاعه. وإذا أكل المحرم لحم صيد فعليه الفدية، وإن كان ذلك في الحرم فعليه القيمة مع الفدية، على قياس المذهب، فإن كان هو الذي ذبحه فعليه الجزاء أيضاً، وإن أكله في غير الحرم وذابحه غيره فعليه الفدية. ولو أن محرماً رمى صيداً في الحل فأصابه وطار إلى الحرم فمات فيه، فعليه الجزاء دون القيمة، فإن رماه في الحرم فطار إلى الحل فمات فيه، وجب عليه الجزاء والقيمة، ولو أن رجلاً خَلَّى كلبه على صيد والصيد في الحرم فطرده الكلب ولحقه في الحل فقتله فيه، فعليه الجزاء والقيمة أيضاً، وإن خلاه في الحل فطرده الكلب إلى الحرم وقتله فيه فعليه الجزاء والقيمة أيضاً. ولو أن حلالاً رمى صيداً في الحل فطار ووقع في الحرم لم يلزمه شيء، فإن خَلَّى كلبه عليه في الحل فطرده الكلب فلحقه في الحرم وقتله فعليه القيمة، وكذلك إن خلاه عليه في الحرم فلحقه الكلب في الحل فقتله فعليه القيمة. وإذا دل المحرم محرماً آخر أو حلالا على صيد فقتلاه وجب عليه الجزاء، فإن كان ذلك في الحرم فعليه القيمة مع الجزاء، ولو اصطاده حلالاً فقتله محرماً لزمه الجزاء، ولو كان الصيد مملوكاً كان عليه الجزاء وقيمته لصاحبه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو اصطاده محرماً فقتله حلالاً لزمه الجزاء، قد ذكره أبو العباس الحسني. وإن قطع من شجر الحرم شيئاً أو احتش لدابته حشيشاً غير الاذخر فعليه قيمته على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكل ما يلزم المحرم على فعله من جزاء أو فدية، فإنه يجب عليه أن يذبح ما يذبحه فيه بمكة ويتصدق به وسائر ما يطعمه المساكين هناك، ولا يجوز أن يفعل شيئاً من ذلك في بلده، وتحصيل المذهب فيه: أنَّه يجب أن يتصدق بذلك في الحرم. وإذا أحرم العبد بإذن سيده فما يلزمه من جزاء أو كفارة عما فعله ناسياً أو مضطراً فعلى سيده إخراجه عنه، فإن شاء أهدى وإن شاء أطعم وإن شاء أمره بالصوم، وما يلزمه من ذلك عما يفعله تمرداً أو تعمداً فليس على سيده شيء مما يلزمه فيه ويكون ذلك ديناً في ذمته، فإذا عتق خرج منه /132/، وكذلك القول في الأمة والصبيان إذا أحرموا لم يلزمهم الجزاء والفدية عن شيء مما يفعلونه، فإن حماهم أولياؤهم عن فعل ما يمنع منه الإحرام كان حسناً. والمدينة حرم حكمها حكم مكة في أنها لا يصطاد صيدها ولا يعضد شجرها، وصيدها محرم.
باب الإحصار
الإحصار يكون بالمرض كما يكون بالعدو، فإذا أحصر المحرم عن المضي فيما أحرم له من حج أو عمرة بمرض مانع له من المسير أو عدو يخافه أو حبس ظالم له فعليه أن يبعث بما استيسر من الهدي. والهدي: أقله شاة، ويواعد رسوله يوماً من أيام النحر ويوقت وقتاً يذبحه فيه بمنى، هذا إذا كان حاجاً، فإذا كان ذلك اليوم وذلك الوقت حل من إحرامه بعد ذلك الوقت احتياطاً نحو أن يكون قد وافقه على ذبحه أول النهار فيؤخر الحلق إلى نصفه، أو في نصفه فيؤخره إلى آخره. فإن كان معتمراً فإنه يواعده أي يوم أراد؛ لأن هدي المعتمر يجوز ذبحه في كل وقت ولكن لا يجوز أن يذبح دون الحرم، كما أن هدي الحاج لا يذبحه دون منى، فإن تخلص من إحصاره وخرج منه ولحق الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر، فقد أدرك الحج وله أن ينتفع بهديه الذي أنفذه ويصنع به ما شاء من بيع وغيره، وليس عليه ذبحه، وإن لم يلحق الوقوف بعرفة فإنه قد فاته الحج ويذبح هديه ويهل بعمرة ليكون قد تحلل بعمل عمرة، فإن لم يجد الهدي، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد أيام التشريق. قال أبو العباس: ولا يجزيه الإطعام، على أصل يحيى عليه السَّلام لأنَّه قاسه على المتمتع وجعله أصلا فيه، ولم يحمله على جزاء الصيد فإن تخلص من إحصاره ووجد مركوباً يقدر أنَّه يمكنه أن يلحق الحج إذا ركبه ولم يكن اكتراؤه أو ابتياعه مما يجحف بنفقته فعليه أن يكتريه أو يشتريه، فإن خاف ذلك لم يلزمه. وإن كان حج معه محرمه ولا محرم لهن غيره فهن محصرات بإحصاره وعليهن من إنفاذ الهدي ما عليه، وإن كان معهن محرم غيره وجب عليهن الخروج معه. فإن كان إحصاره بمرض وكان لهن محرم سواه/133/ واحتاج إلى واحدة منهن تقيم معه كانت من تقيم على تمريضه محصرة بإحصاره إذا كان لا يستغني عنها ولا ممرض له سواها وخُشِي عليه التلف إذا لم تقم عليه. ويصح أن يعطى من يحج عن الغير نفقته ليحج عنه، على ما حكى عن القاسم عليه السَّلام، والمحصر يلزمه القضاء سواء كان ما أحصر عنه حجاً - فرضاً أو تطوعاً - أو عمرة.
باب الحج عن الميت والإستئجار له
يصح الحج عن الميت إذا أوصى به، فإن لم يوص به وحج عنه غيره، فإنه لمن حج، وإذا أوصى به وجب ذلك من الثلث، فإذا أوصى بحجة الإسلام وكان يخرج ذلك من ثلث تركته، وجب أن يحج عنه، وإن لم يوص به ولم يخرج ذلك لم يلزم الورثة أن يحجوا عنه. ويصح الإستئجار على الحج، وإذا أوصى بحجة ولم يذكر من أي بلد، فإنه يحج عنه من بلده إلا أن لا يبلغ ثلث تركته ذلك فيحج من حيث يبلغ الثلث، نصّ عليه محمد بن يحيى. قال أبو العباس: فإن أخرج من حجته فوق الثلث ثم مات، رد إلى الثلث ما لم يفرغ منه. قال رحمه اللّه: ينبغي أن يشترط على من يستأجره حَجاً مفرداً أو قراناً أو تمتعاً أو عمرة ومن أي مكان يحرم منه، فإن شرط الحج مرسلاً فظاهره الإفراد، وإن لم يبين المكان الذي يحرم منه فمن حيث يستأجره. قال رحمه اللّه: فإن مات بالكوفة فحج عنه من المدينة لم يجزه، ولا شيء على من حج عنه بتأدية ما أمر به، فإن أمر بأن يحج من الكوفة فحج من المدينة أو أحرم من دون الموضع الذي أمر بأن يحرم منه فعليه رد جميع ما أخذه.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:19
قال يحيى في (الفنون) : إذا مرض من يُسْتَأجر بالحج في بعض الطريق، فانصرف لم يستحق شيئا من الأجرة. قال أبو العباس في (النصوص) : إن مات في بعض الطريق، استحق من الأجرة بقسطه، وأتموهمن حيث بلغ، والأولى ما قاله يحيى، وهو مما أجري على الأصول، ويجوز له أن يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه إذا كان ممن لا يلزمه الحج لفقره وكان مجمعاً على تأدية ما يلزمه منه إذا أمكنه. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام: لا بأس أن يأخذ حجتين إذا علم أصحاب الحج ورضوا به، ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل، على ما دل عليه كلام القاسم، فإذا جاز حج المرأة عن /134/ عن الرجل، فحج الرجل عن المرأة أولى.
باب ذكر أفضل الحج
أفضل الحج: الإفراد، كما أطلقه يحيى في (الأحكام) وقد مر له فيه ما يحتمل أن القران أفضل، وروى أحمد بن سلام وابن جهشيار عن القاسم عليه السَّلام، أن القران أفضل، وكان أبو العباس يقول: إن القِرَان أفضل لمن حج، والإفراد أفضل لمن لم يحج، على قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام، تَعَلُّقاً بلفظة قد مرت ليحيى عليه السَّلام في (المنتخب) ، وقد ذكرنا ما عندنا في معناها في (شرح هذا الكتاب) ، ولا شبهة على المذهب في أن الإفراد أفضل من التمتع، وقد نصّ القاسم ويحيى على هذا.
باب العمرة
العمرة: تطوع وسنَّة مؤكدة، وليست بواجبة، على ما دل عليه كلام القاسم، وعلى ما روي عنه، ويجوز فعلها في كل شهر من السَّنَة كلها، غير أنها تكره في أشهر الحج إلا للمتمتع الذي يريد أن يقيم إلى أن يحج، هكذا قال القاسم عليه السَّلام، وفعلها في أيام التشريق مَنْهِيٌ عنه قضاء لعمرة رفضها أو ابتداءً. قال القاسم عليه السَّلام في (مسائل يحيى بن الحسين العقيقي) : وأفضل العمرة ما كان في رجب أو في رمضان، ويكره فعلها بعد الحج إذا انقضت أيام التشريق. وميقاتها - لمن يكون بمكة -: من الحل، ويحرم بها من أقرب مكان منه إلى مكة، إن شاء من مسجد عائشة أو الشجرة أو الجعرانة، ومن يكون خارج مكة من أهل البوادي وسائر البلدان فميقاتهم لها أحد المواقيت الخمسة. ومن يريد العمرة فإنه يفعل في إحرامه لها من الغُسْل، وتجديد النية والإهلال بما أحرم له والتلبية وقطعها عند انتهائه إلى البيت والطواف والسعي، ما ذكرنا أن المتمتع يفعله ثم يُقَصِّر أو يحلق.
باب النذور بالحج وما يتعلق به
من أوجب على نفسه المشي إلى بيت اللّه الحرام، لزمه الخروج متوجها إليه، فإن كان نوى بذلك الحج، وجب عليه أن يحج، فإن كان نوى العمرة وجب أن يعتمر، وإن لم ينو حجاً ولا عمرة أجزته العمرة، ويمشي ما أطاق /135/، ويركب إذا لم يطق، وعليه دم لركوبه، وإن كان مشيه أكثر من ركوبه فعليه شاة، وإن كان ركوبه أكثر من مشيه فالمستحب له أن ينحر بدنة، وإن استوى ركوبه ومشيه فالمستحب له أن يهدي بقرة، فإن لم يقدر على بدنة ولا بقرة أجزته شاة. ولو أن رجلا قال: لله عليّ أن أهدي أبي أو ولدي أو أخي أو أختي أو رجلاً أجنبياً، إلى بيت اللّه الحرام. وجب عليه أن يحج به، فيحمله أو يغرم عنه نفقته ويرده إلى أهله وأوطانه إن طاوعه، وإن لم يطاوعه، فلا يلزمه شيء، تخريجاً لبعضهم. فإن قال: لله علي أن أهدي عبدي أو أمتي أو فرسي. وجب عليه أن يبيعه ويشتري بثمنه هدايا، ويتصدق بها بمكة أو بمنى على ما نواه. وإن قال: لله علي أن أذبح نفسي أو ولدي أو أخي أو مكاتبي أو أمَّ ولدي بمكة. وجب عليه ذبح كبش عنه بها. فإن قال: بمنى، وجب عليه أن يذبحه هناك، وإن قال: أذبح عبدي أو أمتي. وجب أن يبيعه ويهدي بثمنه ذبائح إلى مكة أو منى على ما نواه وذكره. فإن قال: جعلت مالي في سبيل اللّه أو هدايا إلى بيت اللّه. وجب عليه أن يخرج ثلث ماله فيصرفه في الأمور المقربة إلى اللّه تعالى، إن كان قال في سبيل اللّه، أو يشتري بثمنه هدايا إلى مكة، إن كان قال: هدايا إلى بيت اللّه.
كتاب النِّكاح
باب ذكر النساء اللواتي يحرم نكاحهن
النساء اللواتي يحرم نكاحهن أصناف: فمنهن من يحرم نكاحها بالأنساب، ومنهن من يحرم نكاحها بالأسباب، ومنهن من يحرم نكاحها بالأحوال. فالتحريم الواقع بالوجهين الأولين لا يَزُول على وجه من الوجوه، والواقع منه بالوجه الثالث يزول بتغير الحال. فالمحرمات بالأنساب المذكورات في القرآن سبعٌ، وهن: الأمهات، ومن جملتهن الجدات، وجدات الجدات وإن عَلَون. والبنات، ومن جملتهن بنات البنات وبنات البنين وإن سفَلن. والأخوات. وبناتهن، وبنات بناتهن وبنات بنيهن. وبنات الأخوة، وبنات بناتهم، وبنات بنيهم. والعَمَّات، وعمات العَمَّات وإن بَعُدْنَ. والخالات، وخالات الخالات/136/، وإن بعدن. والمحرمات بالأسباب المذكورات في القرآن سبع وهن: [1] الأمهات من الرَّضَاعة، يحرمْنَ على البنين وبنيهم وأبناء البنات وإن سفلوا. [2] والأخوات من الرَّضَاعة، يحرمن على إخوانهن وأبناء إخوانهن. [3] وأم المرأة، تحرم على زوجها دَخَل بها الزَّوج أو لم يدخل، وكذلك جداتها وإن علون، وبناتها يحرمن عليه إن كان دخل بالمرأة، وكذلك بنات بناتهن وإن سفلن، وإن لم يكن دخل بها لم يحرمْنَ عليه. [4] وحلائل البنين، وبني البنين وإن سفلوا. [5] وحليلة الأب والأجداد وإن علوا. [6] والجمع بين الأختين حرتين كانتا أو مملوكتين، سواء كانتا أختين من النَّسَب أو من الرَّضَاع. [7] وتحريمنكاح أم المرأة على زوجها، لا فرق فيه بين أن يكون دخل بامرأته أو لم يدخل بها، (وأما ابنة امرأتهفإنها تحرم عليه إن كان دخل بامرأته، وإن لم يكن دخل بها لم تحرم عليه)، وبنات الربائب، حكمهن في التحريم عند الدخول بجداتهن حكم الربائب. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيما حكى عنه أبو العباس -: الدخول بأم المرأة ولمسها والنظر إليها من شهوة، سواء في التحريم لابنتها. ومن المحرمات بالأسباب ممن لم يذكر في القرآن: الجمع بين كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلاً لحرم التناكح بينهما، لنسب أو رضاع، كالجمع بين العمة وابنة أخيها، والخالة وابنة أختها. فأما المحرمات بالأحوال: فهن اللواتي يحرم نكاحهن للعِدَّة، والرِّدَّة، والطَّلاق الثالث، والكُفْرِ، ولأجل العدد، ولغير ذلك مما نذكره في مواضعه. ومنهن تحريم المحصنات من النساء وهن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء، إلا ما استثني من ملك اليمين، وهُنَّ ذوات الأزواج من الْمَسْبِيَّات. قال أبو العباس: وهكذا روي عن أمير المؤمنين علي عليه السَّلام. ولا يحل نكاح المسلم للذمية، ولا نكاح الذمي للمسلمة، ولا يحل التناكح بين أهل الملل المختلفة، ولا يجوز نكاح اليهودي للنصرانية، ولا النصراني لليهودية، ولا نكاحهما للمجوسية، ولا نكاح المجوسي لليهودية والنصرانية. ويحرم الجمع بين أكثر من أربع نسوة، فإن تزوَّج بخامسة كان نكاحها باطلاً. ومن طلّق امرأته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويدخل بها يجامعها في فَرْجِها، ثم يطلِّقها أو يموت/137/ عنها، وتنقضي عدتها منه، وإن كان نَكَحها نكاحاً فاسداً لم تحل بذلك للأول، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ومن كانت عنده أربع نسوة فطلَّق واحدة منهن تطليقاً رجعياً لم يجز له أن يتزوَّج بأخرى قبل انقضاء عدتها، فإن كان طلّقها طلاقاً بائناً جاز له أن يتزوَّج بأخرى قبل انقضاء عدتها، وكذلك من طلّق امرأته طلاقاً رجعياً لم يجز له أن يتزوَّج بأختها حتى تنقضي عدتها، وإن كان طلّقها طلاقا بائناً جاز له أن يتزوَّج بأختها قبل انقضاء عدتها. وكذلك القول في كل امرأتين لا يحل الجمع بينهما، كالعمة وبنت أخيها، والخالة وبنت أختها، على قياس قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام. ولا يجوز لامرأة المفقود أن تتزوَّج حتى تتيقن بَيْنُوْنَتَها منه، بموت أو غيره من طلاق، أو رِدَّة، أو تقوم شهادةٌ عادلة بذلك، فإن قامت البَيِّنة بما يوجب البينونة فتزوَّجت، ثم عاد الأول كان أحق بها ممن تزوَّجها ثانياً، وعليه المهر بما استحل من فَرْجِها، ولا يقربها زوجها الأول حتى تستبرئ من ماء الآخر، وإن كانت حاملاً حتى تضع ما في بطنها، فإن طلّقها الأول وهي حامل انتظرت بنفسها حتى تضع ما في بطنها، وتطهر من نفاسها، ثم تَعْتَدّ من الأول بثلاث حِيَض مستقبلة، وللأول مراجعتها ما دامت في العِدَّة، فإذا خرجت من عدتها تزوَّجت بمن شأت منهما أو من غيرهما.
باب ذكر اللواتي يحل نكاحهن وما لا يؤثر في النِّكاح الصحيح ولا يحرمه
لا يُحرم الحرامُ من الوطئ الحلالَ ولا يغير حكمه، فلو أن رجلاً وطأ امرأة حراماً أو بشبهة، لم تحرم عليه أمُّها ولا ابنتها، ولا تحرم هي على ولد الواطئ ولا على أبيه، وكذلك لو وطأ أمَّ امرأته لم تحرم عليه ابنتها، وكذلك لو وطأ ابنتها لم تحرم عليه أمها، ولو وطأ امرأة ابنه لم تحرم على زوجها، وكذلك الوطء بشبهة إذا كانت الشبهة وقوع لبس وغلط في الموطوءة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:20
قال القاسم عليه السَّلام: لا بأس بإنكاح ولد الزِّنا سواء كان الزَّوج لرشده والزوجة للزنا، أو كانت الزَّوجة لرشدها والزوج للزنا. ويجوز للرجل أن يجمع بين امرأة وابنة زوج/138/ كان لها. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام: لا بأس بأن يتزوَّج الرجل بامرأة ابن زوجته. قال أبو العباس: ولا بأس على هذا بنكاح امرأة أب الزَّوجة وامرأة أب أمُّ الزَّوجة. ويجوز أن يتزوَّج الرجل أمّ امرأة ابنه، وأن يتزوَّج الابن ابنة امرأة أبيه، وأن يتزوَّج الأب البنت أو يتزوَّج الإبن الأم. قال أبو العباس: ويجوز أن يجمع بين امرأة رجل وبين بنت امرأة له أخرى من غيره. قال القاسم عليه السَّلام: يجوز الجمع بين ابنتي العمتين، وابنتي العمين، وابنتي الخالين، وابنتي الخالتين.
باب ما يصح من النِّكاح وما يفسد
لا يصح النِّكاح إلا بولي وشهود، فإن عُقِد بشهود من دون ولي، أو بولي من دون شهود، كان النِّكاح باطلاً. ونكاح الشِّغَار باطل، وهو: أن يزوج الرجلان كلُّ واحد منهما ابنته من الأخر، على أن يكون بُضْعُ كل واحدة منهما مهراً للأخرى. ونكاح المتعة باطل، وهو: أن يتزوَّج الرجل امرأةً إلى أجل معلوم، فيرتفع النِّكاح بمضيه. ولا يحل نكاح المعتدة، فإن تزوَّجها رجل جاهلاً بذلك كان النِّكاح باطلاً، فإن دخل بها كان للمرأة عليه المهر بما استحل من فَرْجِها، فإن جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر أو لستة أشهر منذ دخل بها الزَّوج الثاني فإنه له، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو للأول. ونكاح الْمُحْرِم باطل، وكذلك إنْكَاحه. ولا يصح نكاح الْحَرّ للأمَة إلا بشرطين، أحدهما: أن لا يجد السبيل إلى التزويج بحُرَّة. والثاني أن يخشى العَنَت من ترك النِّكاح، فإن تزوَّجها ثم وجد سبيلاً إلى التزويج بحُرَّة استحب له فِراقها، فإن لم يختر ذلك لم يبطل نكاح الأمَة، ولم يجبر على تطليقها. ويصح نكاح العبد للحُرَّة، إذا رضي سيده ورضيت الحُرَّة به. ويصح نكاح الْخَصِي، إذا رضيت المرأة به. ويصح نكاح الحُرَّة على الأمَة، إذا رضيت الحُرَّة، ولايصح نكاح الأمَة على الحُرَّة. ويجوز للمرأة أن تتزوَّج بغير كفؤ إذا اختارت ذلك ورضي الأولياء. ويعتبر في الكفءِ النَّسَب والدين جميعاً، وإذا رضي أحد الأولياء بتزويج المرأة من غير كفءٍ، كان لسائرهم أن يعترضوا في ذلك، إذا كانوا في درجة واحدة، ويفسخوا النِّكاح، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإذا زنا رجل/139/ بامرأة، جاز له أن يتزوَّجها، إذا تاب. ويجوز أن يتزوَّج المسلم بفاسقة، على ما ذكره أبو العباس، وأومى إلى تخريجه من كلام القاسم عليه السَّلام، إذا لم يبلغ فسقها الكفر. وإذا زنت امرأة لم تَحْرُم على زوجها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن مجوسياً تزوَّج عشر نسوة في عقدة واحدة، ثم أسلم وأسلمن، فارقهن، ولا تكون المفارقة طلاقاً؛ لأن النِّكاح وقع في الأصل فاسداً. ثم يختار منهن أربعاً بنكاح جديد إن أحب، ويتزوَّج بهن تزويجاً مبتدأ، فإن كان تزوَّج عِدَّة منهن دون خمس في عقدة، وعدة أخرى في عقدة، صح العَقْد الذي يشتمل على [ما] دون الخمس، وبطل العَقْد المشتمل عليها وما به تدخل الخامسة، وما زاد عليها في العَقْد. فإن تزوَّج امرأتين في عقدة واحدة وثلاثاً في عقدة، صح نكاح الثنتين وبطل نكاح الثلاث. فإن تزوَّج ثلاثاً في عقدة ثم انثنتين في عقدة، صح نكاح الثلاث وبطل نكاح الثنتين. فإن تزوَّج واحدة، ثم ستاً، ثم اثنتين، ثم واحدة بطل نكاح السِّت وثبت نكاح البواقي. قال أبو العباس: فإن تزوَّج أربعاً في عقدة وثلاثاً في عقدة، والتبس الحال عليه في الأوائل منهن. فإن كان دخل بإحدى الأربع، بطل نكاح الثلاث، وصح نكاح الأربع، وإن كان دخل بإحدى الثلاث، بطل نكاح الأربع، وصح نكاح الثلاث. وإن كان تزوَّج اثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، وثنتين في عقدة، فإن دخل بإحدى الثنتين، بطل نكاح الثلاث، وصح نكاح الثنتين والثنتين، وإن دخل بإحدى الثلاث، بطل نكاح البواقي، فإن لم يقع الدخول اعتزلهن كلهن. وإن كان تزوَّج واحدة في عقدة، وستاً في عقدة، واثنتين في عقدة، وواحدة في عقدة، فلا إشكال في بطلان نكاح الست، وثبوت نكاح البواقي من الواحدة واثنتين والواحدة على كل حال، أيتهن تقدم نكاحها أو تأخر. فإن كان عقد نكاحاً غير صحيح نظر فيه، فإن كان ذلك العَقْد يصح عندهم وتكونصحته مختلفاً فيها في دين الإسلام وطريقة ذلك الاجتهاد، أقر على ذلك إذا أسلم، نحو أن يتزوَّج من غير شهود أو بغير ولي. وإن كان ذلك مما لا يصح في دين الإسلام قطعاً ولا اجتهاداً فيه، لم يقر عليه، على ما ذكره محمد بن يحيى وخرجه أبو العباس. قال أبو العباس: إن تزوَّجها وهي في عِدَّة/140/ لم يقر عليه، على أصل يحيى عليه السَّلام. وحكى رحمه اللّه عن محمد بن عبدالله: أنه لو طلّقها ثلاثاً ثم تزوَّجها ثم أسلم، لفرق بينهما، وكذلك لو جمع بين أختين في عقدة أو جمع بين امرأة وأمها وابنتها. ولو أن رجلا تزوَّج امرأتين في عقدة، ثم وجد إحداهما ممن يحرم عليه نكاحها، نحو أن تكون ذات رحم مُحَرَّم من رضاع أو نسب، صح نكاح الأجنبية وبطل نكاح الأخرى.
[الشروط في النِّكاح]
والشرط في النِّكاح ينقسم: فمنه ما يُفْسِد العَقْدَ، ومنه ما يصح العَقْد من دونه، على مقتضى أصول القاسم ويحيى عليهما السَّلام. فالأول: ما يكون رافعاً لموجب العَقْد، نحو أن يتزوَّجها إلى أجل، أو يكون استثناء لبضعها، ونحو أن يتزوَّجها على شرط أن يكون بضعها مهراً لأخرى. والثاني: ما لا يقتضي ذلك، فيصح العَقْد ويبطل الشرط. فلو أن رجلاً تزوَّج امرأة على شرط أن لا يخرجها من مصرها أومن قُرْب والديها، أو على أن يكون أمر الجماع إليها والطَّلاق بيدها، أو على أن لا ينفق عليها، أو تنفق هي عليه، صح عقد النِّكاح، وبطلت هذه الشروط. فإن نُقِّصَت المرأة من مهر مثلها لأجل شيء مما شُرط لها، وجب على الزَّوج تمام مهر المثل إذا لم يف لها بذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإن تزوَّجها على أن يكون المهر عليها، كان للمرأة مهر مثلها، وكذلك إن تزوَّجها على أن لامهر لها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام . قال أبو العباس: شرط الخيار لا يبطل النِّكاح.
باب ذكر الأولياء وحكمهم في نكاح ذوات أرحامهم وما يتصل بذلك
أولياء المرأة، هم عصبتها المستحقون لإرثها، وأولاهم: الابن، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وإن سفل، ثم عم الأب، ثم ابن عم الأب وإن بَعُدَ، ثم المولى وهو: المعتِق. قال أبو العباس: دخل عم الأب في العم دخول عم الجد في عم الأب. ويستحب للأب والجد أن يعقدا نكاح المرأة دون ابنها بإذنه وتوكيله؛ لأنه أقرب إلى الحياء. والولاية /141/ في النِّكاح لمن يكون أقرب إلى المرأة، وأولاهم بها على الترتيب الذي ذكرنا: الابن إذا كان بالغاً. ولا يجوز لأحد منهم أن يزوج المرأة وهناك ولي أقرب إليها منه، إلا بإذنه، فإن كان الأقرب صغيراً، كانت الولاية للأقرب بعده، وكذلك إن كان زائل العقل، فإذا زَوَّجَ وبلغ الصغير، لم يكن له أن يعترض. وإن كان الأقرب غائباً غيبة منقطعة أو عاضلاً، كان الأقرب بعده هو الولي، نص محمد بن يحيى على ذلك، وحكاه أبو العباس أيضاً عنه. ولا ولاية لمن لم يبلغ، فأما من كان مختل العقلفإن زَوَّج بإذن غيره من الأولياء فأجازوا إنكاحه صح العَقْد. قال أبو العباس: إن كان من لم يبلغ مأذوناً له جاز عقده كما يجوز بيعه وشراؤه. وقال في المختل العقل: إنما يجوز إنكاحه بإجازة غيره من الأولياء، إذا كان يعقل شيئاً من أمره، فيصح أن يكون مأذوناً له في البيع والشراء، فأما إذا كان مطبق الجنون فلا يصح عقده. وحد البلوغ: الإنبات، أو الإحتلام، أو بلوغ خمس عشرة سنة، وفي المرأة الحيض، أو الإنبات، أو بلوغ خمس عشرة سنة. وأقصى الغيبة التي يجب معها انتظار الولي أو انتظار أمره؛ أن تكون على مسيرة شهر، فإن كان على مسيرة أكثر من شهر، فتلك غيبة منقطعة لاينتظر معها، وتنتقل الولاية إلى غيره، وكذلك إن كان في بلد لا ينال، قريباً كان أو بعيداً. وإذا لم يكن للمرأة ولي أو كان غائباً غيبة منقطعة، ولا ولي لها غيره، أو عضلها الولي، كانت ولاية إنكاحها إلى إمام المسلمين، أو من يلي من قِبَله، فإن لم يكن في الزمان إمام، ولَّت أمرها رجلاً من المسلمين ليزوجها.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:22
والعضل من الولي يثبت بأن يثبت ذلك عند الإمام أو الحاكم من قِبَلِه، أو يقف عليه المسلمون إن لم يكن في الزمان إمام، نص عليه محمد بن يحيى، وحكاه عنه أبو العباس. قال أبو العباس: والعاضل لا يكره على التزويج، وإنما يزوج الحاكم. ولو أن امرأة غريبة ادعت ألاّ ولي لها بُحث عن أمرها وقتاً، فإذا لم يُعلم لها ولي رُجع إلى قولها وزُوِّجت، فإن رأى الإمام أو الحاكم تحليفها على ذلك احتياطاً، حَلَّفها. ولا يكون الكافر ولياً للمسلمة لا في النِّكاح ولا في السفر، والمسلم لا يكون ولياً للكافرة. قال أبو العباس: إذا كانت للمسلم ابنة ذمية /142/ فأرادت النِّكاح، فإن كان لها أولياء ذميون زوجها أقربهم إليها، وإن لم يكونوا زوجها السلطان، فإن لم يكن ولت أمرها رجلاً من الذميين. ولا ولاية في النِّكاح للعبد، ولا للمكاتب، ولا للمُدَبَّر، ولا لذوي الأرحام، ولا لمن يقرب بالرَّضَاعة، وهو يكون ولياً في السفر، ويستحب تقديم ذوي الرحم على الأجنبي في توكيله بالنكاح. ولا ولاية للوصي في النِّكاح، والمرأة لا ولاية لها في النِّكاح، وإذا ملكت عقدة النِّكاح لِمِلْكٍ أو وَلاءٍ وكَّلتَ رجلاً يعقد عنها. ويستحب أن تستشار الأم في نكاح ابنتها وإن لم يكن إليها العَقْد، ويجوز للمُعْتِق أن يُزَوِّج الْمُعْتَقَةَ من نفسه إذا رضيت. ويجوز للولي أن يتزوَّج المرأة التي هو وليها ويحل له إنكاحها من نفسه، إن رضيت بذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وذلك كاليتيمة إذا كانت في حجر ابن عمها، ثم رغب في أن يتزوَّجها ورضيت به، جاز أن يَعْقِدَ لنفسه. والوكالة في النِّكاح جائزة. قال أبو العباس: ولو وكَّلت المرأة رجلاً بأن يزوجها من نفسه جاز ذلك، على أصل يحيى عليه السَّلام. قال: وعلى هذا لو قال رجل لآخر: تزوَّج ابنتي على ألف. فقال: تزوَّجت على ألف. لا يحتاج الأب إلى أن يقول: زوجت. وصح النِّكاح، ولو قال: زوجني ابنتك على ألف. فقال: زوجت. لا يحتاج إلى أن يقول: قبلت أو تزوَّجت حتى يصح النِّكاح. قال: ولو وكله بالتزويج مطلّقاً، لكان الظاهر منه أنه توكيل بتزويجها من غيره. ويجوز للولي - الذي له أن يزوج الصغيرة [أن يزوجها] كالأب ولا يكون لها الخيار فيه، وللولي الذي يكون عقده موقوفاً على رضا المرأة - أن يوكل من يزوج عنه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. والكتابة والرسالة يقومان مقام قول العاقد والقابل، كالوكالة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، فقد نص على أن الأب يزوج ابنته بإذن ابنها وتوكيله. ولو أن وليين زوجا امرأة، وكان أحدهما أقرب إليها من الآخر صح عقد الأقرب دون من هو أبعد منه، فإن استويا في القرب صح العَقْد المبتدأ به، فإن كانا عقدا معاً والتبست الحال في تقديم أحدهما على الأخر رجع الأمر إلى المرأة، ويبتدأ العَقْد لمن ترضى به. قال أبو العباس: وهذا إذا كانا جميعاً زوجاها برضاها /143/، فإن كانا زوجاها بغير رضاها ثبت نكاح من ترضى به المرأة، ولا يحتاج إلى استئناف العَقْد، قال رحمه اللّه: فإن كانت المرأة قد رضيت قبل العَقْد بأحدهما، أو رضيت بعده بأن يدخل بها أحدهما، أو أقرت بإحدهما ثبت النِّكاح معه. والنكاح الموقوف جائز. وإذا زوج الولي امرأة بالغة بغير أمرها، كان لها الخيار إذا علمت، وإن كان المزوج لها أبوها، لا فرق في ذلك مع البلوغ بين الأب وسائر الأولياء، فإن رضيت جاز، وإن لم ترض فسخته، وإن كانت غير بالغة وكان المزوج لها أبوها، لم يكن لها الخيار إذا بلغت بِكْراً كانت أو ثيبا. قال أبو العباس: إلا أن يزوجها ممن تَعَافُ عِشْرَته كالأبرص والأجذم والمجنون، فإنها يكون لها الخيار إذا بلغت. وإذا زوج الأب ابنه وهو صغير، صح النِّكاح ولا خيار للابن إذا بلغ. قال يحيى: وعلى الأب المهر. وهو محمول على أن المراد به أنه يلزمه إذا ضمنه على ما تدل عليه أصوله. قال أبو العباس: وإن زوج الصغيرَ أخوه الكبير أو عمه صح النِّكاح، وكان له الخيار إذا بلغ، كما نص عليه في الصغيرة. قال: وإن زوج الأب ابنه وهو كبير، فسكت حين بلغه، لم يكن ذلك إجازة، تخريجاً على أصل يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: إذا أقر الأب بأنه كان زوج ابنته وهي صغيرة، فإن كان وقع هذا الإقرار في حال صغرها صح إقراره، وإن وقع وهي بالغة لم يصح، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: الجد لا يقوم مقام الأب في تزويج ابنته الصغيرة، ويجري مجرى سائر الأولياء، في أنه إذا زوجها كان لها الخيار إذا بلغت، تخريجاً على قول يحيى عليه السَّلام، وفي أصحابنا من ذهب إلى أن الجد بمنزلة الأب في ذلك، وأومى إلى تخريجه من كلامه. وإذا زوج الصغيرة سائر الأولياء كالأخ وابن الأخ والعم وابن العم صح العَقْد، ويكون لها الخيار إذا بلغت وعلمت أن لها الخيار، فإن لم تختر فَسْخَ النِّكاح بعد علمها بأن لها الخيار، فلا خيار لها بعد ذلك، وكذلك الصغير إذا زُوِّج يكون له الخيار إذا بلغ. وللزوج أن يدخل بها قبل البلوغ إذا صلحت للجماع، والنَّفَقَة تجب لها من يوم العَقْد، ويتوارثان بعد العَقْد، ولها المهر إذا دخل. قال أبو العباس: الكبيرة إذا كانت بِكْراً يكون رضاها بالسكوت، والثَّيِّب يكون رضاها بالنطق. والصغيرة المدخول بها يكون رضاها بالكلام؛ لأنها ثَيِّب، فما لم تتكلم بالرضى /144/ فلها الخيار. والموطؤة بالزنا حكمها حكم البِكْر في الرضاء، وكذلك من ذهبت بكارتها بالوثبة والحيض وغيرهما، حكمها حكم البِكْر في جميع أحكامها. وذكر في موضع آخر ما يَدُلّ على أن حكم الموطؤة بالزنا حكم الثَّيِّب. قال أبو العباس: وإذا بلغت فلم تُجِزْ النِّكاح انفسخ ولا يحتاج فيه إلى فسخ الحاكم، تخريجاً على قول يحيى عليه السَّلام، وإذا فسخت المرأة النِّكاح كان ذلك فرقة لا على وجه الطَّلاق. ويستحب لولي المرأة إذا كانت بالغة أن لا يعقد عليها إلا بإذنها. وإذا زوج الحاكم صغيرة لا ولي لها صح العَقْد، ويكون لها الخيار إذا بلغت.
باب ما ينعقد به النِّكاح وذكر الشهادة عليه
الذي ينعقد به النِّكاح: [1] حضور ولي يتولى عَقده، أو وكيله، أو إمام المسلمين، أو من يلي من قِبَلِه إذا لم يكن ولي، أو رجل من المسلمين توكله المرأة إذا لم يكن إمام. [2] وحضور شاهدين عدلين يشهدان على ذلك، أو رجل وامرأتان، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام. [3] وقبول الزَّوج أو وكيله، إذا كان بالغاً، أو قبول الأب، إن كان صغيراً لنكاح المخطوبة. وشاهدا النِّكاح يجب أن يكونا عدلين، فإن كانا فاسقين لم ينعقد النِّكاح بشهادتهما، ومن تجوز شهادته في سائر الحقوق، فإنه يجوز أن يشهد في النِّكاح، كالوالدين والولد والعبد. ولا ينعقد النِّكاح بشهادة النساء وحدهن. وينعقد النِّكاح بلفظ الهبة، كما ينعقد بلفظ التزويج والإنكاح. وإذا قال ولي المرأة لرجل: وهبتُ فلانة لك، أو ملكتك بضعها. وقال الرجل: قد قبلتُ. صح النِّكاح، وكذلك إن قالت المرأة ذلك لرجل وأجازه الولي، فإن أجاز لها الولي أن تعقد على نفسها فعقدت لم يجز. وكل لفظ لا يقع به التمليك فإنه لا ينعقد به النِّكاح، نحو أن يقول: قد أحللت لك بضعها، أو أبحت لك، أو نحلتك، أو أعرتك، أو أطْلَقْتُ لك. ولا يحل للرجل أن يستبيح بضعها بشيء من هذه الألفاظ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: ولو قال لغيره: وهبت لك أمَتِي. فقبل ذلك مَلَكها الموهوب له. قال: ولو قال هذا لعبد غيره /145/ لم ينصرف إلى النِّكاح أيضا. قال رحمه اللّه: ولو قال رجل لامرأة: انكحيني نفسك، أو هبيني. فقالت: أنكحتكها، أو وهبتكها، وأجاز الولي ذلك كان نكاحاً. فإن قال لها: هبيني، أو أنكحيني ولم يذكر نفسك، فقالت: قد أنكحتك نفسي، أو وهبت لك نفسي لم يكن ذلك نكاحاً، إلا أن يبين الرجل عند القبول أنه قصد به خطبتها بما قاله. ولو أن رجلاً وامرأة أقرا بالزوجية بينهما، حُكِمَ بصحة نكاحهما، فإن أقرا بأنه وقع من غير ولي ولا شهود كان باطلاً، فإن ادعيا موت الشهود أو غيبتهم صُدِّقا على ذلك، وإن اتهما بُحِثَ عن أمرهما احتياطاً، هذا إذا لم يظهر ما يبطل إقرارهما ودعواهما. ولو أن رجلاً وامرأة أدعى أحدهما على صاحبه الزوجيَّة وأنكر الآخر ذلك، كانت البَيِّنة على المدعي واليمين على المنكر، وإن ادعت امرأة على زوجها الدخول وأنكر زوجها ذلك، كانت البَيِّنة على المرأة واليمين على الزَّوج.
باب المهور وأحكامها
المهر إما أن يكون: مسمى، أو غير مسمى. والمسمى إما أن يكون: صحيحاً أو فاسداً.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:23
فالصحيح هو: ما يقع به التراضي بين الزوجين إذا كانا جميعاً بالغين رشيدين، وكان مبلغه عشرة دراهم فما زاد، أو ما قيمته ذلك، أو ما يعتاض منه هذا القدر على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام. والفاسد: إما أن يكون فاسداً لكميته، أو لصفته. فما يكون فاسداً لكميته، فهو أن ينقص عن عشرة دراهم؛ لأن أقل المهر عشرة أو ما قيمته ذلك، ومعنى قولنا: إنه فاسد، أنه لا يجوز أن يكون ذلك القدر هو الْمُسْتَحق والمقتصر عليه، وإنما يجب تكميله. وما يكون فساده لصفته، فهو أن يكون مما لا يصح تملكه، أو لا يجوز أن يتملَّكه المسلمون، أو لا يجوز استحداث ملكه في الحال، أو في الحال وفي المآل، فالأول نحو: أن يتزوَّجها على حُرٍّ أو حُرَّة، أو قتل إنسان، أو على دم، أو ميتة، أو على أن يعلمها قرآناً، والثاني: أن يتزوَّجها على خمرٍ، أو خنزير، والثالث: أن يتزوَّجها على مكاتَبٍ، أو أم ولد، أو مُدَبَّر. فإذا كان المهر مسمى وهو صحيح، فهو الذي يُسْتَحق بعقد النِّكاح. وإن كان فاسداً نحو أن يتزوَّجها على خمرٍ، أو خنزير /146/ أو ميتة، فلها مهر المثل إذا كان قد دخل بها الزَّوج، فإن لم يكن قد دخل بها أوطلّقها قبل الدخول، فلا شيء لها من المهر، ولها المتعة، هكذا ذكر أبو العباس. وكذلك إذا تزوَّجها على تعليم القرآن، أو حُرّ أو حُرَّة، أو قتل إنسان. فإن تزوَّجها على مكاتب، أو مُدَبَّر، أو أم ولد فالمستحق قيمة ذلك. قال أبو العباس: وإن تزوَّج نصراني نصرانية على خمر أو خنزير، قُضِي لها به، فإن أسلمت هي أو هما جميعاً، وقد قَبَضَت فلا شيء لها؛ لأنه فائت، وإن لم تقبض فلها مهر مثلها، إذ لا يجوز لها الإقتضاء للخمر والخنزير، وسواء كان معيَّنا أو غير معيَّن، وإن تحاكما قبل الإسلام والخنزير غير معين فلها الوسط، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإن تزوَّجها على ميتة أو دم، فالواجب مهر المثل على كل حال؛ لأنهم صولحوا على غير ذلك. فإن قال تزوَّجتك على هذا الْحُر، فإذا هو عبد، أو على هذا الدَّن من الخمر، فإذا هو خل، صح المهر، وكان الْمُسْتَحق هو العبد، وكذلك يكون المستحق هو الخل، فإن استحق كان لها قيمته، فإن قال: على هذا العبد، فإذا هو حُرّ، أو على هذا الخل، فإذ هو خمر، لم يصح المسمى، وكان لها مهر المثل، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. والمهر المسمى الصحيح، إما أن يكون عيناً أو ديناً، فإن كان عيناً فإما أن يكون نقداً أو في معناه، يعني مكيلاً، أو موزوناً، أو حيواناً، أو عَرَضاً من العروض سواه، فإن كان حيواناً، فإما أن يكون معيناً مشاهداً أو موصوفاً، فإن كان نقداً أو ما في معناه فهو المستحق تسليمه، وكذلك إن كان حيواناً، أو عَرَضاً معيناً، فإن كان موصوفاً فالمستحق هو الموصوف بتلك الصفة، وإن اختلفا في ذلك تَوَسَّطَ بينهما من له بصر به، نحو أن يتزوَّجها على فرس عربي، أو جارية تركية، أو عبد تركي، وإن تزوَّجها على ذلك ولم يصفه بصفة كان لها الوسط منه. قال محمد بن يحيى: فإن التبست الحال في الموصوف ولم ينكشف، وتشاحَّا، رجع إلى مهر المثل. وإن كان ديناً أُسْتُحق ذلك في الذمَّة، فإن مات الزَّوج وعليه ديون أُخَر كانت المرأة أسوة الغرماء فيه. فإن سمى ما تكون الجهالة فيه أكثر من مهر المثل، نحو أن يسمي أقداراً مختلفة، فيقول: على حكمك أو حكمي أو على ما أكتسبه في هذا العام أو أرثه أو استغله /147/، وجب مهر المثل، على قياس ما حكيناه عن محمد بن يحيى عليه السَّلام. وإن كان المهر حيواناً، أو عرضاً نحو أن يتزوَّجها على جارية بعينها، أو دابة، أوحِجْر، أو ناقة، أو أرض فهي لها، فإن ماتت قبل قبضها، كانت لها قيمتها عند عقد النِّكاح. قال يحيى عليه السَّلام: يكون لها قيمتها يوم وقع النِّكاح إن كان الإبطاء بالتسليم من قِبَل الزَّوج، فإن كان الإبطاء من قِبَل الزَّوجة فلها قيمتها يوم ماتت. قال السيد أبو طالب: المراد بالإبطاء: الإمتناع من التَّسْلِيم أو التَّسَلُّم، فإن استحق ذلك كان للمرأة قيمته يوم عقد النِّكاح. وإن تزوَّجها على جارية فولدت، أو على ناقة أوحِجْر فنَتَجَتقبل أن تقبضها، فالولد لها مع الأم، فإن مات الولد، فاختارت أن تأخذ الأم بنقصانها كان لها ذلك، وإن لم تختر فلها قيمتها يوم عقد النِّكاح. والمهر المسمى يُستحق جميعه بعقد النِّكاح، على ما ذكره أبو العباس، وهو موقوف على البناء أو الموت، فإن وقع الطَّلاق قبل الدخول سقط نصفه؛ لأن استقرار جميعه يتبع الدخول، فإذا حصل الدخول استقر جميعه واستحق، هذا إذا كان مسمى عيناً أو دَيناً أو عَرضاً، يجوز تقويمه، وإن لم يكن مسمى ووقع الطَّلاق قبل الدخول، فلها المتعة، وما ليس بمسمى ويجب فيه مهر المثل؛ فإنه لا يجب بالعَقْد وإنما يجب بالدخول كما نقوله في المعوضة البضع - إذا ماتت أو مات زوجها -: إنها لا تستحق المهر. وما كان مسمى ويجب فيه القيمة، فإنه يُستحق بالعَقْد، ومهر المثل يجب بالدخول في النِّكاح الفاسد وفي التسمية الفاسدة، ويدخل في ذلك تسمية ما لا قيمة له، وفي عدم التسمية مع الدخول. ويُستحق كمال المهر بخلو الزَّوج بامرأته على وجه لا مانع له من الوطئ، وكون المرأة ممن تصلح للجماع، ومن الموانع أن يحضر معهما غيرهما من أهله وأهلها أو ممن سواهم، فإذا أسلمت نفسها، وهذه الموانع زائلة، استحقت المهر كله، جامعها أو لم يجامعها. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيما حكى عنه أبو العباس -: العنين كالسليم في وجوب كمال المهر عليه بالخلوة. فإن كانت المرأة معيبة بالبرص أو الجذام أوالجنون أو الرَّتَقلم تستحق كمال المهر /148/ بالخلوة، وكذلك إن كانت صغيرة لا يجامع مثلها لصغرها. وإن ردها بالعيب فلا مهر لها. وإن كان خلا بها، فإن وطأها فعليه المهر كاملاً. قال أبو العباس: وسواء كان الزَّوج على مثل حالها أو كان سليماً. ولو أن امرأة رضيت بأن تتزوَّج بدون مهر مثلها، جاز ذلك، ولم يكن للأولياء أن يعترضوا فيه، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام. فإن زوجها وليها وهي بالغة - أباً كان أو غيره - بدون مهر مثلها، بغير رضاها، كان لها مهر مثلها، فإن زوجها أبوها وهي غير بالغة بدون مهر مثلها، جاز ذلك، ولم يكن لها أن تعترض فيه إذا بلغت، وكذلك إن زوج ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل جاز، وإن كانا كبيرين فأجازا ما فعل الأب جاز، وإن أجازا النِّكاح ولم يرضيا بالمهر ثبت النِّكاح، وكان لكل واحدة من المرأتينمهر مثلها. فإن قالت امرأة الابن: لا أرضى إلا بما شرطه الأب من المهر، كان زوجها بالخيار بين أن يرضى بالمهر الذي شرطه الأب وبين أن يفسخ النِّكاح. قال أبو العباس: إذا أجازا النِّكاح مع العلم بالمهر كان ذلك إجازة للمهر، فإن لم يجيزا المهر وقد علما به بعد إجازة النِّكاح لم يصح، وإن قالا في الحال: أجزنا النِّكاح ولم نجز المهر، صح النِّكاح دون المهر، وثبت مهر المثل. وإذا تزوَّج الرجل امرأة ولم يُسَمِّ لها مهراً كان للمرأة مهر مثلها، وكذلك لو تزوَّجها على حكم زائل العقل، وأجاز العَقْدَ غيرُه من الأولياء. ومن تزوَّج امرأة لم يسم لها مهراً أو سمى مهراً فاسداً، ثم طلّقها قبل الدخول كانت عليه المتعة للمرأة فقط، والمروي عن القاسم عليه السَّلام فيما ذكره النيروسي أن المتعة غير مقدَّرة بتقدير، وإنما هي على قدر اليَسَار والإعسار. ولو أن رجلاً تزوَّج امرأة على أمَة بعينها، ثم وطأها قبل التسليم، دُرئ عنه الحد للشبهة، فإن جاءت بولد، كانت المرأة بالخيار إن شاءت أخذتها وولدها، وإن شاءت أخذت مهر مثلها، وإن شاءت أخذت قيمتها وقيمة ولدها، ولا يلحق نسبه بالواطئ، وإن طلّقها قبل الدخول، فلها عليه نصف عُقْرِهاوالجارية بينه وبينها، ويسعى الولد لها في نصف قيمته، ولا تكون الجارية أم ولد للرجل. قال أبو العباس: إن اختارت أخذها وأخذ ولدها، فليس لها أن تطالبه بأرش /149/ نقصان الجارية بالولادة، وإن اختارت قيمتها، يجب أن تكون القيمة يوم الرد لا يوم التزويج على اعتباره أخذ قيمة الولد، ويجب أن يكون لها عليه - إذا اختارت أخذها - العقر، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن ولياً زوج حرمته على مهر معلوم، وجعل لنفسه شيئاً مسمى كان ما شرطه الولي لنفسه من جملة المهر، فإن شاءت المرأة استوفته لنفسها، وإن أحبت جعلته للولي. ولو أن رجلا تزوَّج امرأة على مهر معلوم وأظهر أكثر من ذلك، لزمه ما أظهر إلا أن يقيم البَيِّنة على أن عقد النِّكاح وقع على ما دون ذلك، وهو ما أسر، فإن لم يقم البَيِّنة على ذلك، فعلى المرأة اليمين أن النِّكاح لم يعقد على ما ادعى الزَّوج أنه أسره. والمراد بقولنا: إنه يلزمه ما أظهر، أنه يلزمه من جهة الحكم، فأما بينه وبين اللّه تعالى فلا يلزمه إلا ما أسر به؛ لأنه هو المهر لوقوع العَقْد عليه، وما أظهره سُمعة وتَجَمُّلاً واتَّفَقَا على إظهاره، فليس بمهر، والمسألة مبنية على أنهما اتفقا على إظهار مهر معلوم، فأظهرا ذلك، ثم يقول الزَّوج: كان المهر الذي عقدنا النِّكاح عليه دون ذلك.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:24
قال أبو العباس: ولو أن رجلا تزوَّج امرأة نكاحاً فاسداً على مهر مسمى، ودخل بها، كان لها الأقل من المسمى أو مهر المثل؛ لأن المرأة قد رضيت بالمسمى، وإن كان دون مهر المثل. وإن كان أكثر من مهر المثل فلها مهر المثل؛ لأن الزَّوج لم يستوف ما في مقابلة المسمى من العوض، وهو دوام العَقْد، وقول يحيى في (الأحكام) - في المعتدة: إذا تزوَّج بها من لا يعلم أنها في العِدَّة ودخل بها فلها المهر كاملاً. - لا ينافي هذا؛ لأن لها المهر المستحق كاملاً من المسمى أو مهر المِثْل. ولو أن رجلا تزوَّج امرأة على مملوك، فقبضته منه، ثم وهبته له، ثم طلّقها قبل الدخول، فإن كانت المرأة وهبته له لا لطلب عوض بل على وجه القربة، نحو صلة الرحم إن كان بينهما، أو لغير ذلك من طلب مرضاة اللّه تعالى، لم يكن لها أن ترجع فيما وهبته، وإذا لم يكن لها ذلك، كان للزوج أن يرجع عليها بنصف قيمته، وإن كانت وهبته طلباً لمرضاته واستجلاباً لحسن معاشرته ومودته، كان لها أن ترجع عليه بالعبد، وللزوج أن يرجع عليها بنصف قيمته. وكذلك القول إن تزوَّجها على عين أو ورق أو غير ذلك/150/، فإن كان العبد قائماً بعينه في يد المرأة على ما كان عليه يوم قبضته، ولم يحدث فيه حدث ولا تجدد ملك، فإنه يكون بينهما نصفين، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: وإن باعته قبل أن يطلّقها ورُدَّ عليها بالعيب بحكم حاكم، ثم طلّقها، كان للزوج نصفه، فإن قبلته من غير حكم حاكم، كان للزوج نصف القيمة. ولو أن رجلاً وكل رجلاً بأن يزوجه امرأة على ألف درهم مهراً، فزوجه إياها على ألفين، فإن رضي الموكِّل بذلك ثبت النِّكاح، وإن لم يرض بطل، وإن قال: أرضى بالعَقْد ولا أرضى من المهر إلا بألف، عُرِضَ ذلك على المرأة، فإن رضيت بذلك ثبت النِّكاح، وإن لم ترض انفسخ. ولو أن ولي المرأة وكل رجلاً بأن يزوجها، فزوجها بأقل من مهر مثلها مما يتغابن الناس بمثله، جاز ذلك، وإن نقص عن مهر مثلها القدر الذي لا يتغابن الناس بمثله، كان للمرأة مهر المثل إذا لم ترض بذلك ولم تجزه، فإن أحب الزَّوج وفَّاها ذلك، وإن لم يحب فارقها، ولها نصف المسمى، فإن زوجها بأكثر من مهر مثلها جاز ذلك. قال السيد أبو طالب: والمراد بذلك أن الزَّوج إن اختار الطَّلاق فطلّقها قبل أن تختار المرأة الفسخ، كان لها نصف المسمى، وإن اختارت المرأة الفسخ قبل أن يختار الرجل الطَّلاق لم تستحق شيئاً؛ لأن المفارقة إن وقعت بالفسخ من المرأة لا يكون لها ذلك، فإنها إذا اختارت الفسخ لم تستحق شيئاً. ويجوز للرجل أن يجعل عتق أمَتِه مهرها ويعتقها على هذا الشرط ويتزوَّجها، فإذا أراد ذلك، فينبغي أن يواقِفَها عليه، فإذا رضيت بذلك، قال لها: قد جعلت عتقك مهرك، فأنت حُرَّة لوجه اللّه تعالى، على أن يكون العتق مهراً، عَتَقَت الجارية. فإن تزوَّجته صح النِّكاح، والمراد به أن يقول لها من بعد: قد تزوَّجتك على ذلك. فتقول: قد رضيت. وإن امتنعت منه لزمها أن تسعى له في قيمتها، فإن قال لها أولاً: قد أعتقتك. ثم قال: وجعلت عتقك مهرك، عتقت ولا يلزمها إن امتنعت من التزويج به أن تسعى له في قيمتها. قال أبو العباس: إنما يلزمها في الوجه الأول أن تسعى له في قيمتها إذا قبلت العتق، وقالت: قد قبلته. وإن لم تقبله لم تعتق، وإذا قبلت ذلك فلا بد من عقد النِّكاح؛ لأنها قد صارت حُرَّة. قال رحمه اللّه: فإن قالت له الجارية: اعتقني على أن تتزوَّجني. فقال: تزوَّجتك على عتقك وأعتقتك، وقع العتاق بقوله قد أعتقتك، ولم يصح التزويج. فإن قال له عبده أو جاريته/151/: اعتقني على ألف درهم، فقال: أعتقتك على ذلك، وقع العتاق ولا يحتاج إلى قبول العبد، ومثله في الطَّلاق. ومن تزوَّج امرأة ولم يفرض لها مهراً ثم فرضه بعد ذلك قبل الدخول، صح النِّكاح، وكان هذا المهر هو المسمى، فإن طلّقها قبل الدخول، كان لها نصف المسمى، على موجب ظاهر قول يحيى عليه السَّلام، وإن كان أبو العباس قد ذكر ما يَدُلّ على أن المسمى إذا لم يكن قد اشتمل العَقْد عليه، لم تستحق المرأة شيئاً إذا وقع الطَّلاق قبل الدخول. قال أبو العباس: وإن كان الذي سماه زائداً على مهر المثل، كان صحيحاً، على ما نص عليه يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس رحمه اللّه: ولو زادعلى المسمى شيئاً لزم، وكان الجميع مهراً كالزيادة في ثمن المبيع وكالحط عنه، فإن طلّقها قبل الدخول بها سقطت الزيادة. ومن تزوَّج امرأة على مهر معلوم، ثم طلّقها قبل الدخول بها كان لها نصف المهر، وإن مات عنهاأو ماتت هي، كان لها المهر كاملاً، والموت في هذا الباب بمنزلة الدخول. وإن تزوَّجها ولم يسم لها مهراً ومات قبل الدخول، فلا شيء لها غير الميراث، هذا قوله في (الأحكام) وهو الصحيح المعمول عليه عند أصحابنا، وفي رواية (المنتخب) : تستحق مهر المثل والميراث. وكان أبو العباس الحسني يتأول ما في (المنتخب) ويحمله على المدخول بها. وكذلك رواية النيروسي عن القاسم عليه السَّلام أن لها المتعة، يقول فيها: إن المراد بما قاله - عليه السَّلام - عند بعضأصحابنا: المطلّقة، وأنَّ ما ذكره خارج عن الكلام الأول، وأن النيروسي أغفل ذلك. والصحيح على المذهب: أنها لاتستحق إلا الميراث دون المهر والمتعة. وإذا ثبت النِّكاح بين الزَّوج والمرأة من غير أن يكون هناك مهر مسمى، فطلبت المرأة المهر، وجب أن يُحكم لها بمهر المثل، فإن ادعى أو ادعت المرأة على ورثة زوجها مهراً مسمى، واختلفا في القدر ولم يكن هناك بينة، فالقول قول المرأة فيما تدعيه إلى مهر مثلها مع يمينها، فإن ادعت أكثر من ذلك، فالقول قول الزَّوج مع يمينه، هكذا ذكره أبو العباس وإليه أومأ يحيى عليه السَّلام. فإن اختلفا بعد الطَّلاق وقبل الدخول، يجب أن يكون القول قول الزَّوج، على قياس قول/152/ يحيى عليه السَّلام، فإذا انفسخ النِّكاح بين الزَّوج والمرأة لأمر كان يوجب ذلك، فإن كان الزَّوج قد دخل بها، فلها المهر كاملاً، سواء كانت الفُرْقَة من قِبَل الزَّوج أو من قبلها، وإن لم يكن الزَّوج دخل بها، فعلى مقتضى نصوص يحيى وأصوله، إن كانت الفُرْقَة جاءت من قِبَل الزَّوج، فلها نصف المهر، وإن كانت من قبل المرأة فلا شيء لها، وهكذا ذكر أبو العباس وحصله من المذهب. وإذا أسلم ذمي ولم تسلم امرأته الذمية كان لها عليه المهر كاملاً، إن كان دخل بها، فإن لم يكن دخل بها، فلها نصف المهر، وإن أسلمت المرأة ولم يسلم الزَّوج ولم يكن دخل بها فلا شيء لها. وإن ارتد الزَّوج عن الإسلام فللمرأة عليه المهر كاملاً، إن كان دخل بها، وكذلك إن ارتدت المرأة بعد الدخول، كان لها كمال المهر، وإن لم يكن دخل بها، فلا شيء لها عليه، فإن كان الزَّوج هو الذي ارتد، فلها عليه نصف المهر، وإن كانت هي التي ارتدت، فلا شيء لها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، هذا إذا لم يكن دخل بها. ولو أن رجلاً تزوَّج امرأة على طلاق أخرى، كان للمرأة مهر المثل وتطلّق الأخرى، فإن قال: تزوَّجتك على أن أطلّق فلانة .لم تطلّق، ويكون بالخيار إن شاء طلّق وإن شاء لم يطلّق. قال أبو العباس: إن كان المهر مسمى، وجب عليه أن يبلغ به مهر المثل إذا لم يف بالشرط. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام - فيما حكاه عنه أبو العباس -: للمرأة أن تمتنع من تمكين زوجها من الدخول بها حتى يوفيها مهرها، فإذا أوفاها فليس لها أن تمتنع، وله البناء بها برضاها، وإن لم يقدم شيئاً من مهرها، وليس لها أن تمنع نفسها منه بعد ذلك، ولها أن تطالب بالمهر. فأما ما قاله القاسم في (مسائل ابن جهشيار) : من أنه يستحب للمرأة أن تكون قد أخذت من زوجها شيئاً من صِدَاقِها قبل أن يدخل بها زوجها؛ فإنه تصريح بأنه ليس بواجب، وكذلك قال أصحابنا فيمن لم يسم لها مهراً. ولو أن مريضاً تزوَّج امرأة في حال مرضه على أكثر من مهر مثلها ثم مات، كان لها المهر ثابتاً، فإن كان فعل ذلك توليجاً، كان الزائد على مهر المثل وصية يخرج من الثلث. ومعنى التوليج هو/153/: المحاباة، فكأنه قصد أن يحبوها بتلك الزيادة، وهذا المعنى إنما يصح إذا كان الرجل يتمكن من تزويجها بمهر مثلها فزاد، فأما إذا لم يتمكن من ذلك إلا بالزيادة، فمعنى التوليج لا يصح فيما فعله، والمرأة تستحق جميعه. ومن غَصَب بِكْراً على نفسها واستكرهها على الزِّنا، كان عليه حَدُّ مثله ونصف العُقْرِ عوضاً عن جنايته عليها بإذهابه بكَارَتِهَا. قال أبو العباس: وإن استكره ثيباً لم يلزمه شيء وعليه الحد. قال: وإن افتضَّها بأصبعه كان عليه المهر كله لذهاب العُذْرَة، تخريجاً.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:25
قال: وإن وطأها فأفضاهاواستمسك البول، فنصف العُقْرِ وثلث الدية مع الحد. وإن لم يستمسك البول، فالدية كاملة مع نصف العقر والحد. قال: فإن فعل ذلك بأصبعه أو بالحجر، فالمهر كاملاً مع الدية أو ثلثها، ولا يدخل أحدهما في الآخر زاد عليه أو نقص منه أو ماثله. فإن طاوعته البِكْر إلى الفجور بها، فعليهما الحد ولا عقر لها. قال أبو العباس: فإن أفضاها لم يكن لها من الدية شيء، تخريجاً. قال: وإذا ظن الرجل في أجنبية أنها امرأته بأن زفت إليه غلطاً فوطئها، فعليه المهر، فإن ولدت منه لحق نسب الولد بالواطئ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: فإن أنْظَرَت المرأة زوجها بالمهر، فلا رجوع لها عليه في ذلك تخريجاً. قال: وإن كان المهر غير مسمى أو فاسداً، فأبرأت المرأة زوجها منه قبل القبض، لم يجز. ولو أن أب الصغيرة أبرأ زوجها من المهر، لم يجز ذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. والذي بيده عقدة النِّكاح هو الزَّوج دون الولي، فإن طلّقها قبل الدخول وعفى عن إسقاط نصف المهر فأوفاها جميعه، كان محتسباً. قال أبو العباس: لو قتلت المرأة نفسها قبل دخول زوجها بها لم يبطل مهرها، وكذلك لو زوج رجل أمته ثم قتلها قبل الدخول أو قتلت هي نفسها، لم يسقط المهر. والإعتبار في مهر المثل بمهور نساء المرأة من قِبَل أبيها، أخواتها وعماتها. قال أبو العباس رحمه اللّه: ويعتبر أيضاً بمثلها في شبابها وجمالها وبكارتها وثيوبتها. قال: ويعتبر أيضا مهر مثلها في بلدها؛ لأن المهر يختلف في البلدان.
باب التعبد بالنكاح وذكر الخِطْبة ومعاشرة النساء والقسم بينهن وما يتصل بذلك
الظاهر من أصل يحيى عليه السَّلام أن النِّكاح ليس بواجب وهو مباح، ومن خشي عَنَتاً من تركه استحب له أن يتزوَّج، تخريحاً. ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه المسلم، ومعنى ذلك: أن يكون الغير قد خطب المرأة وراضاها فيخطبها مع تقدم ذلك منه، ويرغبها في نفسه بما يرغب في مثله من زيادة المهر وغير ذلك، فأما أن يخطبها كل واحد منهما ابتداء فذلك جائز. قال أحمد بن يحيى: ولا يجوز أن يخطبها وهي معتدة مصرحاً، ويجوز أن يُعَرِّضلها إذا كانت العِدَّة عن طلاق بائن، وذكر في معنى التعريض أنه يقول لها: إنك ممن يرغب فيك لأحوالك الجميلة، وإني لمحتاج إلى زوجة موافقة. ولا يجوز إظهار شيء من الملاهي عند النِّكاح، وينبغي أن يشاع بما لا يكون محظوراً منهياً عنه من اتخاذ الولائم وغيرها، ويكره ضَرْب الدُّف عنده. قال القاسم عليه السَّلام: أرجو أن لا يكون في انتهاب النِّثار في العرسات كراهة. ويجب على الزَّوج أن يساوي بين نسائه في قسمة الأيام والليالي، هذا إذا كنَّ حرائر، فإن كن حرائر وإماء، لم تجب التسوية بينهن، على مقتضى نص القاسم على ذلك. قال أبو العباس: روى أصحاب علي عليه السلام عنه أنه يقسم للحُرَّة يومين وللأمَة يوماً واحداً. فإن كُنَّ إماء فالتسوية بينهن واجبة، إذا لم يكنَّ مِلْكَ اليمين. والتسوية في القسم تجب ما دام مقيماً، فإذا سافر فله أن يستصحب من شاء منهن ويختصها بذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وهكذا ذكر أبو العباس. ولا تجب التسوية بينهن في الوطئ، وإنما يلزمه التعديل في المبيت بينهن فقط، كما نص عليه القاسم عليه السَّلام، ولو وطئ في قسممن لها القسم غيرَها جاز ذلك، ويستحب أن يكون سراً تجنباً للإيحاش، على قياس قول القاسم ويحيى عليهما السَّلام. ولو أن امرأة وهبت ليلتها لبعض نساء زوجها، جاز ذلك، وكذلك لو أسقطت قسمها جاز، ولها أن ترجع فيما وهبت. وإذا تزوَّج الرجل بِكْراً أقام عندها سبعاً، وإن تزوَّج ثيباً أقام عندها ثلاثاً يقيم هذه الأيام بلياليها. قال أبو العباس: فإن أقام عند واحدة منهنَّ أكثر مما لها، وجب عليه أن يوفي البواقي مثل ذلك/155/. ويجوز العَزْلُعن الحُرَّة، إذا لم يكن على وجه المضارةلها وأذنت فيه، والأمَة يجوز العزل عنها وإن أنكرت. وإتيان النساء في أدبارهن حرام، ويجوز مجامعة المرأة في فَرْجِها مقبلاً ومُدَبَّراً، ويجوز لكل واحد من الزوجين أن ينظر إلى فَرْجِ الآخر، ولايجوز للرجل أن يجامع امرأته بحيث ينظر إليهما غيرهما، ويكره أن لا يكون عليهما عند المجامعة ثوب يسترهما، ويكره أن يجامعها في بيتيكون معهما فيه غيرهما، إلا من ضرورة مع اجتهاد في إخفاء ذلك. ويجوز للرجل إذا أراد أن يتزوَّج امرأة أن ينظر إلى وجهها نظرة واحدة، ووجهها ليس بعورة. ويجوز للرجل أن يدخل بامرأته إذا صلحت للجماع، والرجوع في ذلك إلى معرفة النساء بحالها. وإذا كان لزوجة الرجل ولد من غيره فمات، فإنه ينبغي له أن يكفَّ عن جماعها شهراًليتبين أن بها حملاً أم لا، هذا إذا لم يكن للميت من يحجب الأخوة من الأم عن الإرث، كالأب والجد أب الأب والولد وولد الابن. قال أبو العباس: فإن كف عن الجماع واستبرأها جاز له وطئها بعد الاستبراء، على موجب قول يحيى عليه السَّلام، فإن تبين الحِبَل بعد ذلك وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد وطئها، ورثه الحمل، وإن كان لأكثر من ستة أشهر، لم يرث. قال: فإن أنكر الوطئ أصلاً، صُدِّق على ذلك في نصيبه دون نصيب سائر الورثة، فإن انقطع دمها، وقفإلى ثلاث سنين وستة أشهر ويوم من آخر الوطئ؛ لأنه لا حمل أكثر من أربع سنين عندهولا دون ستة أشهر. ويجب على الرجل أن يقوم بما تحتاج إليه المرأة خارج المنزل، وعلى المرأة القيام بما يحتاج إليه الزَّوج داخل المنزل. [قال السيد أبو طالب:] وما ذكرناه في المرأة خصوصاً من لزومها القيام بما يحتاج إليه الزَّوج داخل المنزل الأولى فيه عندي الاستحباب والإيثار لمساعدة الزَّوج، وهو الذي أراده يحيى عليه السَّلام بما أطلقه، وأصوله تقتضي ذلك.
باب الفراش ولحوق الولد بالوالد
فراش الحُرَّة يثبت بنكاح صحيح، أو نكاح فاسد، أو شبهة نكاح ثبت به المهر، فإذا ثبت الفراش، فالولد تابع له، والنَّسَب لاحق بمن يثبت له الفراش. فأما الأمَة فليس لها فراش كما/156/ للحُرَّة، وإنما يثبت لها الفراش بالوطئ إذا حصل في ملك أو شبهة ملك مع ادعاء الولد، فيثبت نسبه منه بالدِّعْوَة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: فإذا صارت الجارية أم ولد، ثبت بعد ذلك نسب ولدها منه إذا جاءت به، لموضع الفراش وضعف الرق. والمعتبر في ثبوت الفراش ولحوق النَّسَب بصاحبه: إمكان الوطئ بعد عقد النِّكاح، دون العَقْد، ومضي ستة أشهر فقط، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام. وإن اتفق فراشان أو ما يجري مجرى الفراشين، وكان أحدهما متقدماً على الآخر وجاءت بالولد نُظِرَ في ذلك، فإن أمكن أن يلحق بأحدهما دون الآخر ألحق به، فإن لم يمكن أن يلحق بواحد منهما لم يلحق، وإن أمكن أن يُلحق بهما جميعاً ألحق بالثاني دون الأول. وإنما يمكن أن يلحق بأحدهما دون الآخرإذا جاءت بولد من اليوم الذي ثبت فيه الفراش الثاني لأقل من ستة أشهر، ويكون منذ انقطع الفراش الأول إنما مضت مدة أكثر الحمل أو دونه، وهذا يقتضي إلحاقه بالأول لا محالة، ويمنع من الحاقه بالثاني. وإنما لا يمكن أن يلحق بواحد منهما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ ثبت الفراش الثاني، وأكثر من أقصى مدة الحمل منذ انقطع الفراش الأول، أو تكون قد حاضت بعد انقطاع الفراش الأول ثلاث حيض. وإنما يمكن أن يلحق بهما جميعاً إذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر من يوم ثبت الفراش الثاني، ولأقصي مدة الحمل أو دونها منذ انقطع الفراش الأول. ولو أن رجلا تزوَّج امرأة وهي في عِدَّة من زوجها جهلاً بذلك، وجاءت المرأة بولد لستة أشهر من يوم دخل بها الثاني، ولأربع سنين أو أقل من يوم فارقها الأول، ألحق به دون الأول، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم دخوله بها، وللأربع سنين أو دونها منذ فارقها الأول ألحق بالأول. وإن تزوَّجت امرأة المفقود لقيام بينة بموته، وجاءت بولد لستة أشهر أو أكثر، ثم جاء الأول ألحق الولد بالثاني، وإن كان لأقل من ستة أشهر ولأربع سنين أو دونهما من غيبته، ألحق بالأول. ويدخل الأول عليها بعد الاستبراء، والاستبراء يكون بثلاث حيض على ما ذكره أبو العباس/157/ وحصَّله من المذهب، وعليه دَلّ كلام القاسم عليه السَّلام الذي رواه عنه يحيى. قال يحيى عليه السَّلام في (المنتخب) - فيمن طلّق امرأته فحاضت بعد الطَّلاق ثلاث حيض، ومكثت سنة ثم تزوَّجت ثم جاءت بولد لأربعة أشهر -: لا يلحق الولد بواحد منهما. ولو أن رجلاً وطئ جارية ثم باعها قبل أن يستبرئها، واشتراها آخر فوطئها من غير استبراء، ثم اشتراها ثالث فوطئها من غير استبراء، ثم ولدت، فإن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ ملكها الأول لم يلحق الولد بواحد منهم، وهو لمن ملكها قبلهم، والجارية أم ولد له ويُرْجَع بثمنها عليه، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعداً منذ مَلَكَها الأول من هؤلاء الثلاثة ولأقل من ستة أشهر منذ ملكها الثاني ألحق بالأول، والجارية أم ولد له ويُرْجَع عليه بثمنها، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعداً منذ ملكها الثاني، ولأقل من ستة أشهر منذ ملكها الثالث، ألحق بالثاني، والجارية أم ولد له، وعليه أن يرد على الثالث ما أخذ منه من ثمنها، فإن جاءت به لستة أشهر فصاعداً منذ ملكها الثالث، فالولد يلحق به والجارية أم ولد له. وإن كانوا تبايعوها في طهر واحد بعد وطئهم لها، فجاءت به لستة أشهر فصاعداً إلى أقصى مدة الحمل، فالولد لمن ادعاه، فإن ادعوه كلهم فهو ولد لهم كلهم ونفقته واجبة عليهم، ويرجع الثالث على الأوسط بثلثي القيمة، والأوسط على الأول بثلث القيمة.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:26
وأقل الحمل ستة أشهر، وأكثره أربع سنين. وإذا كانت أمَة بين رجلين، فوطئاها جميعاً، فجاءت بولد، فادعياه جميعاً وكانا حُرَّيْن مسلمين، ألحق الولد بهما يرثهما ويرثانه، وإن مات أحدهما، كان للباقي منهما، على معنى أنهما يتوارثان، وإن ادعاه أحدهما وشك فيه الآخر فلم يدعه، أُلحق بمن ادعاه، فإن كان أحدهما مسلماً والآخر ذمياً، أو كان أحدهما حُراً والآخر عبداً، ألحق الولد بالمسلم دون الذمي، وبالحر دون العبد. ولا يصح الرجوع إلى قول القَافَةفي إثبات الأنساب، على أصل يحيى (ع).
باب ما يُرَدُّ به النِّكاح وما لا يُرَدُّ
يرد النِّكاح بأربعة من العيوب: الجنون، والجذام، والبرص، والقَرَن. والرَّتَق في معنى القرن، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكذلك الزَّوج إذا كان به أحد هذه العيوب الثلاثة ردت المرأة النِّكاح إن أحبت، نص عليه أحمد بن يحيى عليه السَّلام. قال: فإن كان دخل بها فلها المهر، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها؛ لأن الفسخ جاء من قِبَلها. وإذا تزوَّج الرجل بامرأة ثم علم أن بها أحد هذه العيوب، كان له الخيار إن شاء رضي بالعيب، وإن شاء فسخ النِّكاح. فإن كان وطئها كان للمرأة المهر، وإن لم يكن وطئها فلا مهر لها، وإن كان خلا بها خلوة توجب المهر إذا كانت سليمة فلها المهر، وعليها العِدَّة إذا وطئها. وإن كان قد دخل بها على علم بالعيب فلا خيار له، ويرجع الزَّوج بما لزمه من المهر بالدخول على وليها إن كان علم بعيبها ودَلَّسَها ، إذا كان الزَّوج لم يعلم بالعيب قبل الدخول. قال أبو العباس: والولي لا يرجع عليها بما لزمه كما يرجع الوكيل على الموكِّل، وكذلك لا يرجع الزَّوج عليها إن كانت هي المدَلِّسة. وإذا تعاقد الزَّوج والمرأة النِّكاح وهما سليمان، ثم حدث العيب كالجنون، والجذام، والبرص، كان لكل واحد منهما الخيار في الفسخ، على قياس قول يحيى (ع). وإذا كان الزَّوج عِنِّيناً، فلا خيار للمرأة ولا يُفَرَّق بينهما، وكذلك المعسر العاجز عن نفقة امرأته لا يفرق بينه وبينها. قال محمد بن يحيى: من تزوَّج امرأة على أنها بِكْرٌ فوجدها ثيباً، لم يكن له الخيار، ولا يُنَقِّصُ من مهرها؛ لأن البكارةتذهب بالحيض والخرق والوثبة. قال أبو العباس: ويرد إلى مهر المثل إن كان قد زيد عليه لشرط البكارة. ولو أن أمَة دَلَّسَت نفسها على حُرّ فأوهمته أنها حُرَّة واستولدها، كان على الزَّوج مهرها لمولى الأمَة، ولا يرجع عليها بالمهر، ويلحق نسب الأولاد به، ولزمته قيمة أولاده لمولى الجارية، ولزم سيدها أن يغرم ما لزم الزَّوج بجنايتها إلى قدر قيمتها، فإن كانت قيمتها أقل من قيمتهم طرح قيمة ذلك عنه من قيمة ولده، وطولب بباقي قيمتهم يسلمه إلى سيدها، وإن طلب الزَّوج تسليمها بقيمتها/159/، كان له ذلك. قال أبو العباس: إن كان قيمة الأولاد مثل قيمة الجارية تقاضيا، وإن كان قيمة الأولاد أكثر من قيمة الجارية، فإن شاء الزَّوج أوفى سيد الجارية القدر الزائد من قيمة الأولاد على قيمة الجارية، ويرجع عليها بالزيادة إذا اعتقت، وإن شاء طالب بتسليم قيمة الجارية إليه والتزم جميع قيمة الأولاد، ويفسخ النِّكاح من شاء من سيد الأمَة أو الزَّوج، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن عبداً دلس نفسه على حُرَّة فأوهمها أنه حُرٌّ فتزوَّجته، ثم علمت أنه مملوك، فلها أن تفسخ النِّكاح، هذا إذا كان سيده قد أذن له في النِّكاح أو أجازه بعد العَقْد. فإن كان دخل بها فالمهر على سيده لها، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها؛ لأن الفسخ كان من قِبَلِها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وإن لم يكن منه إذن ولا إجازة وقد دخل بها كان المهر دينا لها في ذمته تطالبه به إذا عتق، وإن كان العبد أوهمها أن سيده أذن له في النِّكاح، كان ذلك خيانة منه وتلزم رقبته أو تلزم سيده لها إلى قدر قيمته.
باب نكاح المماليك
المماليك حكمهم في عقد النِّكاح والطَّلاق والعِدَّة حكم الأحرار سواء، للعبد أن يتزوَّج أربعاً، ويملك من التطليقات ثلاثاً، والعِدَّة عنه مثل ما يكون عن الأحرار، سواء كانت تحته حُرَّة أو أمَة. ولا يجوز نكاح العبد إلا بإذن سيده، وإن أجازه بعد العَقْد صح. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام: إن قال رجل لعبده - وقد تزوَّج بغير إذنه -: طلّق. أو قال له - وقد تزوَّج أربعاً -: طلّق واحدة منهن وأمسك البواقي. كان ذلك إجازة. ويجوز للرجل أن يكره أمته ومُدَبَّرته على التزوُّج. قال أبو العباس: وكذلك العبد، وحكاه عن يحيى، والأظهر أنه تخريج. ولا يجوز تزويج المكاتبة إلا إذا أذنت فيه، ويكون المهر لها تؤديه في كتابتها، وكذلك لا يجوز للرجل أن يزوج أمَّ ولده، إلا إذا أبت عِتْقها وأذنت في التزويج. وإذا زُوِّجت الأمَة ثم أعتقت كان لها الخيار، إن شاءت أقامت على نكاحها، وإن شاءت فسخته، سواء كان الزَّوج حراً أو عبداً. قال القاسم عليه السَّلام: إن مسها زوجها برضاها وقد علمت أن لها/160/ الخيار لم يكن لها الخيار، وكذلك القول في المُدَبَّرة إذا عتقت. قال أبو العباس: فإن لم يكن الزَّوج دخل بها وفسخت النِّكاح، سقط المهر، على أصل يحيى عليه السَّلام، فإن تزوَّجها من بعد، تكون عنده على ثلاث تطليقات. ولو تزوَّج حُرّ أمَة فاستولدها، كان الأولاد مماليك لسيد الأمَة، إلا إن يشترط الزَّوج عليه حريتهم فيكونون أحراراً، وإن تزوَّج العبد حُرَّة فاستولدها، كان أولادها أحراراً، وإن تزوَّج مملوكةً، كان الأولاد مماليكاً لمولى الأمَة، فإن اشترط مولى العبد أن يكون الأولاد بينهما، كان هذا الشرط باطلاً، فإن وفي مولى الأمَة بالشرط كان حسناً. قال أبو العباس: وإن كان مولى العبد زاد في مهرها لأجل هذا الشرط أسقطت الزيادة على مهر المثل، إن لم يفِ به. وإذا تزوَّج العبد بإذن مولاه فالمهر عليه، فإن طلّقها العبد قبل الدخول فعليه نصف المهر، فإن لم يكن فرض لها مهراً فعليه المتعة. وإذا تزوَّج حُرّ أمَة كانت نفقتها على الزَّوج إذا سُلِّمت إليه وخُلِّي بينه وبينها، فإن جرى بين الزَّوج وبين مولى الأمَة شرط في النَّفَقَة كانت النَّفَقَة على من شُرطت عليه منهما، وليس لمواليها أن يمنعوها من الزَّوج ولا من المبيت عنده، ولهم أن يبيعوها، وأن يخرجوها من بلد إلى بلد، فإن استولدها كانت نفقة الأولاد على مولى الجارية، إلا أن يشرطها على الزَّوج، فتلزمه. وإذا تزوَّج العبد حُرَّة فسُوفِر به، كان له أن يخرج زوجته ونفقتها على مولى العبد، فإن اشْتُرِيَ العبد، كانت نفقتها على المشتري، فإن ولدت منه أولاداً، كانت نفقة الأولاد على الأم. وورود الملك على النِّكاح يفسده، سواء تناول الملك جميع الرقبة أو جزءاً منها. فإذا تزوَّج العبد بِحُرَّة ثم ملكته الحُرَّة أو بعضه بطل النِّكاح وانفسخ، ولم يكن ذلك طلاقاً، فإن أعتقته جاز لهما أن يستأنفا النِّكاح. قال أبو العباس: إن لم يكن الزَّوج دخل بها فلا مهر لها، على قياس قوله [يعني يحيى عليه السَّلام]. قال: فإن اشترته بمهرها صح الشراء عيناً كان المهر أو ديناً، وتغرم قيمته إن اشترته قبل الدُّخول إن كان عيناً، أو مثله إن كان ديناً، سواء كان المولى ضامناً للمهر أو لم يضمنه/161/. وإذا تزوَّج الحر أمَة ثم اشتراها قبل الدخول أفسد الملكُ النِّكاحَ، وكان له أن يطأها بالملك، ويكون فساده انفساخاً لا طلاقاً، ولم يكن لمولاها البائع لها أن يطالبه بنصف صَدَاقها الذي تزوَّجها عليه، وإن أحَبَّ هذا الذي اشتراها أن يزوجها أو يبيعها أو يهبها أو يعتقها، كان له ذلك. فإن كان حين تزوَّجها دخل بها فسد النِّكاح أيضا، وكان له أن يطأها بالملك، ويجب لبائعها عليه المهر مهر مثلها، وإن أراد هذا الذي اشتراها أن يبيعها أو يزوجها لم يجز له ذلك حتى يستبرئها بثلاث حيض. قال أبو العباس: ويطئها من غير استبراء، فإن كان الزَّوج طلّقها ثم اشتراها، كان له أن يطأها وهي معتدة منه. ولو أن مُكَاتَباً كان تزوَّج أمَة قبل كتابته بإذن سيده، ثم اشتراها في حال كتابته لم يفسد النِّكاح، وكان له أن يطئها بالنكاح، فإذا أدَّى مالَ الكتابة وعتق، فسد النِّكاح، وكان له أن يطئها بالملك، ويجب لها المهر، وليس للمكاتب إذا اشترى جارية أن يطئها أو يزوجها أو يعتقها، فإن اعتقها، كان العتق موقوفاً، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلاً كانت تحته أمَة فطلّقها ثلاث تطليقات، ثم مَلِكَها لم يجز له أن يطأها حتى تنكح زوجاً غيره ويدخل بها، وكذلك إن كان سيدها وطأها بعد تطليقه لها ثلاثاً لم تحل له.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:27
ولا يجوز للرجل أن يجمع بين أختين مملوكتين في وطء، ويجوز له أن يجمع بينهما في الملك، ويجوز له أن يطأ كل واحدة منهما على الانفراد من دون صاحبتها، فإذا وطئ إحدهما لم يجز له أن يطأ الأخرى، حتى تخرج الموطؤة عن ملكه ببيع أو هبة لا يجوز له الرجوع فيها، أو عتق، فإن زوجها لم يجز له أن يطأ الأخرى، سواء زوجها من عبد له أو حُرّ أجنبي. قال أبو العباس: إن ملك إحدى الأختين المملوكتين ووطئها وعقد على الأخرى نكاحاً، كان النِّكاح باطلاً، وإن لم يكن وطئها، كان النِّكاح صحيحاً ويطأ إحداهما ولا يطأ الأخرى، فإن كان تزوَّج بإحداهما أولاً ووطئها ثم اشترى الأخرى، لم يجز له وطئها حتى يطلّق الأولى منه طلاقاً بائناً لا رَجْعَة له فيه. وإن أذن المولى لعبده في النِّكاح فتزوَّج نكاحاً فاسداً، ودخل بها لم يلزم سيده مهر المثل، على قياس قول يحيى عليه السَّلام/162/.
باب أحكام الإماء في الإستبراء واستباحة الوطء وما يتصل بذلك
استبراء الأمَة واجب على البائع والمشتري جميعاً، فمن كانت عنده جارية وأراد يبعها وجب عليه أن يستبرئها قبل البيع بحيضة، وكذلك المشتري يجب عليه أن يستبرأها قبل وطئها بحيضة، ولا يجوز أن يطئها قبل ذلك، فإن كانت آيسةمن الحيض بأن تكون صغيرة أو كبيرة أُسْتُبرأت قبل البيع بشهر، وكذلك بعده بشهر. قال أبو العباس: روى علي بن العباس عن يحيى بن الحسين عليه السَّلام بطلان البيع بترك الإستبراء. قال أبو العباس: وسواء كان البائع لها رجلا أو امرأة باعت أو ابتاعت، وسواء كانت المبيعة ثيبةً أو بِكْراً في وجوب الاستبراء. فإن اشترها وهي حائض لم يجز للمشتري أن يعتد بتلك الحيضة في الإستبراء، ووجب عليه أن يستبرئها بحيضة مستأنفة في ملكه. فإن اشتراها فحاضت حين حصلت في ملكه اعتدت بتلك الحيضة، فإن اشتراها وهي حامل فوضعت عنده، كان ذلك استبراء وجاز له وطئها عند انقضاء نفاسها. وإذا يئست المرأة لم يجز وطئها حتى تستبرئ بحيضة إن كانت حائلاً، أو تضع إن كانت حاملاً. ومن اشترى أمَة وأعتقها وتزوَّج بها، لم يجز له أن يطئها إلا بعد الإستبراء. وإذا قال رجل أو امرأة لرجل: قد أحللت لك فَرْجَ جاريتي هذه، أو أنحلتك، أو أعرتك، لم يحل له وطئها بهذا القول، فإن وطئها عالماً بالتحريم لزمه الحد، وإن لم يكن عالما بالتحريم درئ عنه الحد للشُّبْهة، ولزمه المهر. قال القاسم عليه السَّلام: لا يجوز لمسلم أن يطئ أمته إذا كانت مجوسية، كما لا يجوز أن يتزوَّج بها إذا كانت حُرَّة، وعلى هذا نص يحيى عليه السَّلام في جميع الذِّمِّيَّات. وقال في بعض المسائل: ولا يجوز أن يفرق بين الجارية المسبية وولدها. قال القاسم عليه السَّلام: إذا كان الولد كبيراً جاز التفريق، ولا يجوز ذلك إذا كان صغيراً. وإذا اشترك رجلان في أمَة لم يحل لواحد منهما وطئها، فإن وطئها أحدهما درئ عنه الحد للشبهة، وكان لشريكه عليه نصف عقرها، فإن استولدها ضمن لصاحبه مع نصف العقر نصف قيمتها يوم حملت، ونصف/163/ قيمة الولد يوم ولد، فإن كان الواطئ أخا شريكه فيها أو أباه أو جدَّه أو ابنه لزمه نصف عقرها ونصف قيمتها، وسقط عنه نصف قيمة الولد، وكذلك القول إذا كانت الأمَة بين شركاء. قال أبو العباس: إذا وطئاها جميعاً ولم تلد فالعقر بالعقر قصاصاً ولا يلزمهما شيء، وإن ولدت ولداً فادعياه لم يلزمهما شيء؛ لأن ما يجب لأحدهما على صاحبه يقاص ما لصاحبه عليه.
باب الأحوال في نكاح المشركات ومهورهن
قال أبو العباس في المشرك إذا أسلم ثم مات وقد تزوَّج بأربع نسوة في عقدة، وثلاث في عقدة: كان للأربع على أصل يحيى عليه السَّلام مهران بينهن أرباعاً، وللثلاث مهر ونصف بينهن أثلاثاً، فإن كانت إحدى الأربع أو إحدى الثلاث أمَة، كان نكاح الأمَة باطلاً، وبطلانه لا يقتضي بطلان نكاح من شاركتها في العَقْد على أصله، فكأنه تزوَّج ثلاثاً ثم بثلاث أو بأربع ثم باثنتين، فيكون للثلاث اللاتي الأمَة رابعتهن مهر ونصف بينهن، وكذلك للثلاث الأواخر مهر ونصف بينهن، وإن كانت الأمَة ثالثة الثلاث فبين الأربع مهران وبين الآخرتين اللتين هي ثالثتهما مهر واحد، وعلى هذا القياس يكون المهر إن زدن أو نقصن. فإن تزوَّج اثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، واثنتين في عقدة أخرى، فمهر ونصف بين الثلاث، ومهران بين الطائفتين أرباعاً، فإن كانت إحدى الاثنتين أمَة ثبت نكاح الحُرَّة دون الأمَة، ونكاحها ثابت بكل حال؛ لأنها إما ثالثة الاثنتين أو رابعة الثلاث، فلها مهرها كاملا، وللثلاث مهر ونصف، وللاثنتين مهر واحد بينهما، فإن كانت ثالثة الثلاث أمَة فنكاح الأربع جائز بكل حال، ويبطل نكاح الإثنتين أبداً، وأربعة مهور تكون بينهن أسداساً، فإن اختلفت مهورهن في هذه المسائل فلكل واحدة منهن نصف ما سمي لها من مهرها، إلا في التي ذكرنا أخيراً أن أربعة مهور تكون بينهن أسداساً، فإن لكل واحدة منهن ثلثي ما سمى لها، فإن كان/164/ دخل بهن فالدخول تصحيح لنكاح من دخل بها، فإن مات ولم يُدْرَ مَنِ المدخول بها أولاً، فلكل واحدة نصف المسمى، ونصف الأقل من المسمى أو مهر المثل. وقال رحمه اللّه في ميراثهن: إنه إذا كان تزوَّج أربعاً وثلاثاً فنصفه بين الأربع أرباعاً، ونصفه بين الثلاث أثلاثاً، فإن كانت رابعة الأربع أمَة، أو ثالثة الثلاث أمَة، فكأنه تزوَّج بثلاث ثم بثلاث، أو بأربع ثم باثنتين، فيكون نصف الميراث بين الثلاث الأوائل التي الأمَة رابعتهن أثلاثاً، ونصفه بين الثلاث الأواخر أثلاثاً، أو نصفه بين الأربع أرباعاً، ونصفه بين الاثنتين إن كانت هي ثالثة الثلاث، فإن تزوَّج اثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، واثنتين آخرتين في عقدة، فالميراث نصفه بين الثلاث أثلاثاً، ونصفه بين الطائفتين أرباعاً، فإن كان مع إحدى الأثنتين أمَة ثبت نكاح الحُرَّة بكل حال، فلها مهرها كاملاً وسدس الميراث من وجه، وثمنه من وجه، وأما الثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث إن ثبت نكاحهن فلهن نصفه، وللثنتين ثلث الميراث إن صح نكاحهن، فلهن نصف ذلك، وفريضتهن من أربعة وعشرين، وإن كانت الأمَة ثالثة ثلاث فنكاح الأربع جائز بكل حال، ويبطل نكاح اثنتين، والميراث بينهن أسداساً.
كتاب الطَّلاق
باب أنواع الطَّلاق
الطَّلاق ينقسم إلى: سُنَّة، وغير سُنَّة، وينقسم أيضا: إلى رجعي، وبائن. فطلاق السُنَّة: وهو طلاق العِدَّة، نحو أن يطلّق امرأته وهي طاهر قد اغتسلت من حيضها، ولا يكون قد جامعها في ذلك الطهر، فإذا مضت ثلاثة أقراء وطهرت من القرء الثالث واغتسلت، فهي أملك بنفسها منه، ويكون هو خَاطِباً من الخطَّاب، وله أن يتزوَّجها بنكاح جديد، وتكون عنده على تطليقتين، وقبل مضيها يكون أملك بها، وله أن يراجعها، فإن راجعها كان أحق بها، وإن تركها حتى تمضي ثلاثة أقراء فهي أملك بنفسها منه، ويكون هو خاطباً من الخطاب/165/. فإن تزوَّج بها ثانياً وأراد تطليقها تطليقة ثانية طلّقها وهي طاهر من غير أن يجامعها، فإن راجعها في العِدَّة أو تزوَّج بها بعد انقضاء هذه العِدَّة بنكاح جديد وأراد أن يطلّقها تطليقة ثالثة تركها حتى تحيض حيضة وتطهر ولم يجامعها، ثم طلّقها تطليقة ثالثة، فعند ذلك لا تحل له حتى تتزوَّج زوجاً غيره بعد مضي ثلاثة اقراء، وإن أراد أن يطلّقها ثلاثاً على السُنَّة طلّقها في ثلاثة أطهار من غير جماع، ويراجعها بين كل تطليقتين، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام. وإن كانت صغيرة لم تحض، أو كبيرة قد يئست من الحيض استحب له أن يكف عن جماعها شهراً، ثم يطلّقها كما وصفنا بالأهلة، وكذلك إن كانت حاملاً استحب له أن يكف عن جماعها شهراً ثم يطلّقها كما وصفنا بالأهلة، وإن طلّق هؤلاء قبل مضي شهر جاز. قال أبو العباس: فإن طلّقها في طهر من حيض كان طلّقها فيه لم يكن مطلِّقاً للسُنَّة. والمخالف للسُنَّة: فهو أن يطلّقها وهي حائض أو طاهر ويكون قد جامعها في ذلك الطهر، أو يطلّقها في طهر واحد ثلاث تطليقات. وكل ذلك واقع وإن كان مخالفاً للسُنَّة. والطَّلاق الرجعي، فهو: كل طلاق يقع على المدخول بها لا على عوض، ولا تكون تطليقة ثالثة. ولا فصل بين طلاق السُنَّة وطلاق البدعة في جواز المراجعة قبل انقضاء العِدَّة، وإذا طلّقها في حال الحيض فالرَّجْعَة مستحبة. والبائن: فهو ما يقع على غير المدخول بها، أو يقع على عِوَض، أو يكون تطليقة ثالثة قد تخلل بينهما رجعتان. والإشهاد على الطَّلاق غير واجب، وليست الشهادة شرطاً في صحته، على مقتضى نص القاسم ويحيى عليهما السَّلام، وإنما يستحب ذلك لقطع الخصومات، وكذلك في الرَّجْعَة.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:28
قال أبو العباس: الخلع طلاق وليس بفسخ، تخريجاً من كلام يحيى، ولا يجوز الخلع إلا إذا خاف الزَّوج والمرأة أن لا يقيما حدود اللّه، وتكون المرأة هي المبتدأة لطلب ذلك ناشزةعنه غير ملتزمة ما أمر اللّه به من طاعته، فتقول: لا أُبِرُّ لك قسماً ولا أطأ لك فراشاً، ولا أطيع لك أمراً، فحينئذ يجوز للرجل أن يخالعها على فدية وعوض، ولا يجوز أن يكون ذلك العوض أكثر من مهرها/166/ ونفقة عدتها وتربية أولادها ونفقتهم. قال أبو العباس: فإن ابتدأت المرأة ببذل الزيادة على المهر من غير مطالبة الزَّوج لها كان تبرعاً منها وجاز ذلك، وإن أبى أن يطلّقها إلا بأخذ الزيادة لم يجز ذلك ورد عليها. قال: وإن كان النشوز من قِبَل الزَّوج، كان ما أخذ من المرأة مردوداً عليها، والطَّلاق واقعٌ، تخريجاً. وإذا اتفقا على العِوَض، قال لها الزَّوج: طلّقتك على كذا، أو خالعتك عليه، أو بارأتك، أو غير ذلك من الفاظ الكنايات. أو يقول: أنت طالق على كذا، أو يقول: إذا أبرأتني من كذا، أو أعطيتني كذا فأنت طالق، فإذا فارقها على ذلك فقد بانت منه ولا رجعة له عليها، ولهما أن يستأنفا نكاحاً جديداً قبل انقضاء العِدَّة وبعدها إن لم يكن الخلع قد تقدمه تطليقتان. وإن خالع الأب زوج ابنته الصغيرة عنها وضمن المهر صح الخلع، ولابنته إذا بلغت أن تطالب الزَّوج بمهرها، وللزوج أن يرجع على الأب بما ضمنه، وإن لم يكن الزَّوج دخل بها فلها نصف المهر. قال أبو العباس: ولو خالع امرأته على خمر أو خنزير، وقع الطَّلاق من غير شيء يستحق، على أصل يحيى عليه السَّلام، وإن كانا ذميين أو حربيين وقبضتهما نفذ، وإن أسلما أو أسلم أحدهما طلّقت بلا شيء، كما بينا نظائرهما في النِّكاح. قال رحمه اللّه: وإن خالعها على مهرها قبل الدخول، رجع عليها بنصف المهر عيناً كان المهر أو ديناً. قال: ولو خالعها على هذا العبد أو على هذه الأمَة وهما مهرها، كانا له أو كسبهما، على أصل يحيى عليه السَّلام؛ لأن الطَّلاق عوضه ما يستيقن. وإن نكحها على عبد غير معين ثم خالعها عليه، كان له ما يقع عليه التسمية. وإن خالعها على دراهم أو دنانير أو عرض جاز ذلك، على موجب نص يحيى عليه السَّلام. قال: وللمرأة مهرها إن كان مثل مهرها المسمى أو أقل منه. والمختلعة لا يلحقها الطَّلاق. وطلاق الوكيل عن الموكل صحيح. وللعبد أن يطلّق ثلاثاً كما يطلّق الْحُرّ.
باب الفاظ الطَّلاق وذكر أحكامها
لفظ الطَّلاق: صريح، وكناية. فالصريح: ما كان ملفوظاً /167/ بلفظ الطَّلاق. نحو قوله: أنت طالق، أو أنت الطَّلاق. والكناية: نحو قوله: أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بتة، أو استبرئي رحمك، أو الحقي بأهلك، أو لست لي بامرأة، أو حبلك على غاربك، أو أبرأتك من عقدة النِّكاح، أو أنت سائبة، أو أنت حُرَّة، أو أنت حرام. قال القاسم عليه السَّلام - في قول الرجل -: (بهشتم) بالفارسية: إنه إن نوى به الطَّلاق كان طلاقاً. وأجري هذا اللفظ مجرى الكنايات. وما كان منه صريحاً فإنه لا يحتاج إلى النية، ويتعلق الحكم بالفظ ويوجب الفرقة، على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام، وإلى هذا كان يذهب أبو العباس الحسني. سمعته يقول: إن الكنايات هي التي تحتاج إلى النية، وحكى ذلك عن القاسم عليه السَّلام على غالب الظن، والكنايات كلها مفتقرة إلى النية. وإن ادعى الرجل أنه نوى بها غير الطَّلاق دِيْنَ في القضاء وفيما بينه وبين اللّه تعالى، فإن اُتُّهِم اسْتُحلِف احتياطاً، وإن اقترن باللفظ ما يلحقه بباب الصريح نحو أن يكون جواباً عن سؤال لم يدينفي القضاء، تخريجاً، وأجري مجرى الصريح. قال القاسم عليه السَّلام: إذا كان القول غير محتمل لما ذَكَر أنه أراده لم يُلْتَفَت إلى نيته، ويؤخذ بالتسمية. وهي كلها رجعية لا بائن فيها إلا الخلع. قال أبو العباس في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، إن نوى به الطَّلاق يكون طلاقاً، كما نص عليه القاسم عليه السَّلام، وإن لم ينو الطَّلاق لزمته كفارة يمين، على قياس قول القاسم عليه السَّلام. قال رحمه اللّه: فإن قال لها: أنا عليك حرام. ونوى الطَّلاق طلّقت، ولو قال لها: أنا منك طالق. لم يكن شيئاً. فإن قال لها: أنت علي كظهر أمي، كان صريحاً في الظِّهار، وعليه يحمل في القضاء، فإن نوى به الطَّلاق كان طلاقاً فيما بينه وبين اللّه تعالى، هذا تحصيل المذهب في هذا المسألة، على موجب نص يحيى عليه السَّلام، فإن قال: أنت علي كأمي فهو كناية عن الظِّهار، وقد يجوز أن يكون كناية عن الطَّلاق، فيرجع في ذلك إلى نيته، في القضاء وفيما بينه وبين اللّه تعالى. ولو قال لها: جعلت أمرك إليك فاختاري. فقالت: قد اخترت نفسي. وقعت تطليقة واحدة رجعية. قال أبو العباس:/168/ هذا إذا كان الزَّوج قد نوى الطَّلاق بما قاله، فإن قالت: قد اخترتك. لم يقع شيء، وكذلك إذا قال لنسائه: اخترنني أو أنفسكن، ولها الخيار ما دامت في المجلس، فإن اختارت نفسها بعد مفارقتهلم يكن شيئاً. قال أبو العباس رحمه اللّه: ولو قال لرجل: قد جعلت أمر امرأتي بيدك. كان له المجلس فقطيعني على قياس قول يحيى عليه السَّلام -، وكذلك لو ضم إليه: إن شئت، أو قال: طلّق امرأتي إن شئت، ولو قال: طلّق امرأتي، فقط، فله المجلس وغيره، فإن أراد أن يرجع عن ذلك في المجلس. وقال: لا خيار لك. لم يكن ذلك له، على موجب نص يحيى عليه السَّلام؛ لأنهقال: لها الخيار ما دامت في المجلس، ولم يشترط فيه رجوع الزَّوج. قال أبو العباس: فإن قالت: اخترت. ولم تقل نفسي لم يكن طلاقاً، وإن كان الزَّوج نوى به الطَّلاق، فإن قال لها: اختاري. ولم يقل: نفسك. فقالت: اخترت نفسي. وقع الطَّلاق رجعياً. وكذلك لو قال لها: اختاري نفسك. فقالت: اخترت نفسي. قال رحمه اللّه: فإن قال لها: طلّقي نفسك. فقالت: طلّقتك. لم يكن شيئاً، ولو قالت: أبَنْتُكَ. وقعت تطليقة واحدة. قال القاسم عليه السَّلام في رجل قال: ما أحل اللّه للمسلمين فهو علي حرام؛ دخل فيه الطَّلاق إن نواه. وقال في رجل؛ قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا. وله امرأة تكون كذبة كذبها، إلا أن ينوي به الطَّلاق، فإن نواه كان طلاقاً. قال أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو قال رجل لامرأته: يا بنتي، أو لجاريته. لم يلزمه شيء. وكل كسر في الطَّلاق فهو جبر، فإن قال لامرأته: أنت طالق عُشْر تطليقة، أو رُبع تطليقة، أو نصف تطليقة، أو ثلثاً. فهي تطليقة واحدة. قال أبو العباس رحمه اللّه: وكذلك إن قال لها: [أنت طالق] نِصْفَي تطليقة، أو خمسة أرباعها، أو نصفي تطليقتين، أوقال: ثلاثة أنصافها. ولو قال رجل لامرأتين له: بينكما تطليقة ونصف. وقعت على كل واحدة منهما تطليقة واحدة، وكذلك لو قال: بينكما تطليقتان ونصف تطليقة. وقعت تطليقة واحدة، على كل واحدة، هذا على قول من يرد الثلاث إلى واحدة، وعلى قول من يثبت الثلاث بلفظ واحد، يقع على كل واحدة تطليقتان/169/. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قال: بينكما خمس تطليقات. وقعت على كل واحدة منهما تطليقة، وفي قول أهل الثلاث ثلاث، وكذلك لو قال لثلاث نسوة: بينكن ثلاث تطليقات، ولأربع بينكن أربع تطليقات. أو قال: بينكن تطليقة واحدة، أو تطليقة ونصف، أو تطليقتان ونصف، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فإن قال لها: أنت طالق واحدة إلا واحدة. وقعت تطليقة واحدة. قال أبو العباس: وكذلك إن قال لها: أنت طالق غير طالق. وحكاه عن محمد بن يحيى. قال: وكذلك لو قال: أنت طالق طلاقاً واحداً لا يقع عليك؛ وقعت تطليقة واحدة. قال: فإن قال لها: أنت طالق أو لا، لم تطلّق، وحكاه محمد بن يحيى رضي اللّه عنه. قال رحمه اللّه: ولو قال لها: أنت طالق واحدة معها واحدة، أو واحدة قبلها واحدة، أو بعدها واحدة، وقعت تطليقة واحدة، وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة، وقعت تطليقة واحدة، وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة. قال رحمه اللّه: فإن قال لها: أنت طالق ثلاثاً للسُنَّة؛ فكأنه قال: أنت طالق عند كل طهر بعد الرَّجْعَة بين كل تطليقتين، فإن راجع بلسانه في كل طهر من غير جماع طلّقت؛ حتى تستوفي ثلاثاً على السُنَّة، فإن قال لها: أنت طالق للسُنَّة، ولم يذكر ثلاثاً، فإن كانت طاهراً ولم يجامعها فيه وقع الطَّلاق، وإن كانت حائضاً أو طاهراً كان جامعها في ذلك الطهر وقع الطَّلاق إذا طهرت طهراً لم يجامعها فيه، فإن قال لها: أنت طالق الساعة إن كان الطَّلاق يقع عليك للسُنَّة. فإن كانت طاهراً ولم يجامعها في ذلك الطهر وقعت تطليقة واحدة، وإن كانت حائضاً أو طاهراً وقد جامعها في ذلك الطهر لم يقع شيء.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:29
فإن قال لها: أنت طالق إن كان يقع عليك الطَّلاق الساعة للبدعة وقعت تطليقة واحدة؛ إن كانت حائضاً أو طاهراً قد جامعها في ذلك الطهر، فإن كانت طاهراً ولم يجامعها فيه لم يقع شيء. فإن قال: إن كان يقع عليك، وقعت تطليقة واحدة على أية حال كانت، تخريجاً على أصل يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلاً قال لنسوة له وهن ثلاث أو أربع: إحداكنَّ طالق. ولم يعيِّن واحدة منهن، طَلَّق من لم يطلّق منهن. فيقول لكل واحدة: أنت طالق إن لم أكن/170/ طلّقتك. ثم يراجع من أحب منهن، فيكون اللبس قد ارتفع. قال أبو العباس رحمه اللّه: وهذا إذا لم يكن قد طَلَّق قبل ذلك شيئاً، أو يكون قد طلّقهن تطليقة وراجع، فإذا طلّق سوى من طلقت بهذا القول، فقد رفع الالتباس وتكافين بتطليقة أو تطليقتين. قال: فإن كان طلّق قبل هذا القول واحدة منهن فقط وراجعها؛ راجعهن كلهن لإمكان تبني الطَّلاق بهذا على تلكالمطلّقة فلا يستفيد بتطليقهرفع الالتباس، ولو كان طلّق بدئاً واحدة تطليقتين وراجعها راجع البواقي وفارق المطلّقة، فإن خفيت عليه فارقهن كلهن، وإن لم يرد رفع الإلتباس راجعهن لا غير؛ قبل انقضاء عدتهن. قال السيد أبو طالب: قوله: إنه إذا لم يرد رفع الإلتباس راجعهن، على معنى أنه يراجع من لم يطلّقليس بواضح عندي. قال رحمه اللّه: فإن مات قبل مراجعتهن ولم تنقض عدتهن وقد دخل بهن، كان ميراث الأربع بينهن ولهن مهورهن، وإن انقضت عدتهن ولم يدخل بهن؛ فهو الذي نصه القاسم عليه السَّلام في رواية النيروسي، أن ميراث الثلاث بينهن ولهن ثلاثة مهور ونصف مهر إذا لم يكن دخل بهن، وهو أن ينقص من مهر كل واحدة ثمنه إئتلفت أو اختلفت مهورهن، فإن اختلفت مهورهن فإن دخل بهن إلا واحدة منهن فلهن مهورهن، ولتلك الواحدة ثلاثة أرباع مهرها، فإن لم يدخل باثنتين فحسب، فمهرٌ وثلاثة أرباع مهر بينهما، فينقص من مهر كل واحدة ثمن، وأما الميراث فللمدخول بها نصفه ونصف سدسه، وللآخريين ثلثه ونصف سدسه. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه فيمن قال: امرأتي طالق، وله أربع نسوة: طلّقن كلهن إذا لم يعين بنِيَّتِهِ واحدةً منهن. ولو أن رجلاً نادى امرأة من نسائه قد عزم على طلاقها فأجابته أخرى، فقال: أنت طالق. وقع الطَّلاق على من كان أراد طلاقها دون من أجابته. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن التبست عليه يعني من نواها بالطَّلاق، كان الحكم في ذلك - على ما رواه النيروسي عن القاسم عليه السَّلام - حكم من قال: إحداكن طالق من غير تعيين. ولو أن رجلاً قال لامرأته: بعضك طالق أو نصفك أو جزء منك طالق أو يدك أو رأسك/171/ أو أصبع منك أو غير ذلك من أعضائها وقع عليها الطَّلاق، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق، أو قال: أنت طالق تطليقة أو تطليقتين أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك، أو بعض تطليقة، وقعت تطليقة واحدة. ولو أن رجلا قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. وقعت تطليقة واحدة. فإن قال لها: أنت طالق، ثم قال: راجعتك، ثم قال: أنت طالق، ثم قال: راجعتك. ثم قال: أنت طالق. ثم قال: راجعتك، وقعت ثلاث تطليقات، سواء كان ذلك في مجلس أو مجلسين أو أكثر من ذلك، ولا يكون مطلّقاً على السُّنَّة. وإذا لم يكن الرجل دخل بامرأته لم يصح منه أن يطلّقها ثلاثاً، حتى يبتدئ النِّكاح ثلاثاً، على أصل يحيى عليه السَّلام.
باب الطَّلاق المشروط والمؤقت
وذكر الحلف به والإستثناء
الطَّلاق المشروط: هو الذي عُلِّق وقوعه لحادث يحدث، أو انتفاء ما يجوز حدوثه، نحو أن يقول الرجل لامرأته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن فعلت كذا فأنت طالق. وكذلك إن قال إن فعل غيرها، نحو أن يقول: إن قدم زيد. أو يقول: إن لم أفعل، أو إن لم تفعلي، أو إن لم يفعل غيرهما. والمؤقت أن يقول: إذا كان نصف النهار، أو إذا كان غداً، أو رأس الشهر، أو رأس السنة، فأنت طالق. فإن حلف بالطَّلاق كاذباً، أو حلف به ثم حنث، وقع الطَّلاق، إلا أن يكرهه عليه من يخاف منه القتل، أو الضرب، أو الحبس من سلطان ظالم، أو عدو متعد، وسواء حنث وهو متعمد أو ناس في وقوع الطَّلاق، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلاً قال لنسوة له: إن دخلتن الدار فأنتن طوالق، أو قال لواحدة منهن: أنت طالق يا فلانة، وأنت يا فلانة طالق إن دخلتن الدار. وقع الطَّلاق عليهن عند دخولهن على حسب نيته، وذلك يكون على وجوه ثلاثة. أحدها: أن ينوي بأن أية واحدة منهن دخلت الدار طلقت، فهذا يوجب أن من تدخلها منهن تطلق ومن لا تدخلها لا تطلق. والثاني: أن ينوي أنهن إن دخلن مجتمعات طلقن؛ وهذا يوجب/172/ أنهن متى دخلنها مجتمعات وقع الطَّلاق عليهن، فإن دخلن مفترقات لم يطلقن. والثالث: أن ينوي أن جميعهن إن حصل منهن دخولها مفترقات أو مجتمعات طلقن، وهذا يوجب أن جميعهن إذا دخلن الدار مجتمعات كن أو مفترقات طلقن، فإن دخلها بعظهن دون جميعهن لم تطلق من دخلت. ولو أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق إلا أن يشاء أبوك حبسك. وقف طلاقها على مشيئته. فإن قال: قد شئت أن لا تطلّقها، وأن تكون محبوسة عليك، لم يقع الطَّلاق، وإن لم يشأ ذلك بأن يقول: قد شئت طلاقها أو يسكت ولا يبدي المشيئة طلقت. قال أبو العباس - في حكم هذه المشيئة -: إنها على الفور فيكون له حال المجلس إن كان حاضراً، أو حين بلوغه إن كان غائباً، وكذلك القول إذا علق الطَّلاق بمشيئة نفسه أو مشيئة أجنبي. وإن قال لها: أنت طالق إلا أن يشاء أبوك ثلاثاً. يسأل عن نيته، فإن قال: أردت أنه إن شاء ثلاثاً فلا شيء، وإن شاء الأب ثلاثا لم يقع الطَّلاق، وإن شاء واحدة طلقت، وإن قال: أردت أنه إن شاء ثلاثاً فهي ثلاث، فشاء الأب ثلاثاً؛ وقعت واحدة في قولنا، وفي قول أهل الثلاث ثلاثاً، وإن شاء واحدة لم يقع شيء. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قال الأب: لا أشاء شيئاً، وقعت واحدة. وإن قال: إذا كان رأس الشهر، أو رأس الحول فأنت طالق. وقع الطَّلاق إذا جاء ذلك الوقت، ولم تحرم عليه قبله، وكذلك إذا قال: إلى شهر أو إلى سنة. قال أبو العباس: وإن قال: أنت طالق غداً، أو إذا جاء غد، طلقت في قوله، - يعني قول يحيى عليه السَّلام - إذا طلع الفجر، وكذلك إن قال: في غد، وإن نوى وقتاً فيه من نصفه أو آخره فله نيته في الحكم وفيما بينه وبين اللّه تعالى. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: إن قال لها: أنت طالق إلى حين أو زمان. إن نوى وقتاً بعينه فذاك، وإن لم ينو فإذا مات، وقد قيل: أن الحين ستة أشهر. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيما حكاه عنه أبو العباس -: إذا قال رجل لامرأته: أنت طالق أمس، لم يقع شيء، ولو أن رجلاً كتب إلى امرأته أنت طالق، وقع الطَّلاق يوم كتب الكتاب، فإن كتب /173/ إليها: إذا أتاك كتابي فأنت طالق، وقع الطَّلاق إذا وصل إليها الكتاب، فإن احتبس الكتاب أو ضاع لم يقع. وتحصيل المذهب في ذلك: أنها تجري مجرى الكناية فإن نوى الطَّلاق وقع، ذكره أبو العباس في (النصوص) . وقال أبو العباس: إن حاك الكتابة بأصبعه أو بعود أو على هواء أو ماء ونوى به الطَّلاق. فلا شيء؛ لأن ذلك لا ينكتب. وذكر أن الإشارة إذا فهم بها معنى الفُرْقَة ونوى بها الطَّلاق كان طلاقاً، تخريحاً على نص يحيى عليه السَّلام. قال محمد: فإن كتب إليها: جعلت طلاقك إليك ساعة يصل كتابي إليك. فلم تطلّق نفسها حين يصل الكتاب وأخَّرته، لم يكن لها أن تطلّق نفسها بعد ذلك. ولو أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق إن شاء اللّه، فإن كان ممسكاً لها بالمعروف ومحسناً إليها، لم يقع الطَّلاق، وإن كان غير ممسك لها بالمعروف ومسيئا إليها طلقت. ولو أن رجلاً حلف بالطَّلاق ليفعلن فعلاً من الأفعال ولم يفعله، فإن كان قيده بوقت وقع الطَّلاق إذا جاء ذلك الوقت ولم يفعله، ولا يحنث قبله، وإن كان أطلقه حنث في اليوم الذي يموت فيه، ووقع الطَّلاق وترثه المرأة؛ إن كان الطَّلاق رجعياً، وإن كان بائناً لم ترثه، ولا حنث عليه قبل موته. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن كان مؤقتاً ومات بعد الوقت ولم يفعله، طلقت المرأة حين خرج الوقت، فإن خرجت من عدتها قبل موته أو كانت تطليقة بائنة أو ثالثة لم ترثه. فإن قال لها: أنت طالق حين لم أطلّقك، أو يوم لم أطلّقك، أو متى لم أطلّقك، أو ما لم أطلّقك، فإن كانت له نية في وقت بعينه مستقبل، وقع الطَّلاق إذا جاء ذلك الوقت، وإن لم يكن له نية، وقع حين يسكت، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلاً حلف بالطَّلاق أنه لا يبرح من مكانه حتى يشتري عشرة أرطال سكراً فاشتراه، ثم وجد فيه بعد أن برح من مكانه رطلاً واحداً من القَنْد، حنث، وكذلك لو حلف أن لا يبرح من مكانه حتى يستلف عشرين درهماً، واستلفها، ثم وجد فيها بعد أن برح من مكانه وزن درهم حديداً، حنث، ووقع الطَّلاق. قال أبو العباس: فإن كان/174/ زائفاً، لم يقع الطَّلاق، فإن وهبت له هذه الدراهم، حنث.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:30
قال أبو العباس: إن قال لها: أنت طالق إن دخلت الدار. ثم طلّقها قبل أن تدخلها ثم راجعها، فدخلت وقع الطَّلاق، هكذا نص يحيى عليه السَّلام في المولى إذا طلّق ثم تزوَّج بها بعد انقضاء العِدَّة. قال: فإن دخلت قبل الرّجْعَة، لم تطلّق. قال رحمه اللّه: فإن قال لها: إن حلفتُ بطلاقك فأنت طالق. ثم قال: إن حلفتُ بطلاقك فأنت طالق. وقعت تطليقة واحدة عند تكرر اللفظ ثانياً، فإن أعاد اللفظ ثالثة بعد الرَّجْعَة. وقعت تطليقة ثانية، وإن أعادها قبل الرَّجْعَة لم يقع شيء؛ لأن المطلّقة لا يقع عليها الطَّلاق، وإن قال: إن حلفتُ بطلاقك فعُمَرَة طالق، ثم قال: إن طلّقت عمرة فأنت طالق، طلقتا جميعاً. قال أبو العباس: فقد حلف في الثاني بطلاقها فتطلق عمره، وشرط طلاقها بطلاق عمرة فتطلق أيضا هي. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام: إن قال لها وهي حامل: إن كان ما في بطنك غلاماً فأنت طالق، وإن كانت جارية فلست بطالق. فولدت غلاماً وجارية، طلقت، إلا أن يكون نوى غلاماً وحده، فلا تطلّق وإن كان نوى بقوله: وإن كانت جارية فلست بطالق، أنها إن كانت جارية وحدها لم تطلق، وقع الطَّلاق عليها؛ لأنها لم يكن في بطنها جارية منفردة، وإن كان نوى أنها إن كان في بطنها جارية فليست بطالق، لم يقع عليها الطَّلاق. فإن قال لها: أنت طالق أول آخر هذا اليوم، أو آخر أوله، وقع الطَّلاق عند انتصاف النهار، على ما خرجه أبو العباس من كلام القاسم عليه السَّلام. فإن قال لها: أنت طالق يوم أدخل دار فلان، أو يقدم زيد، فإن دخلها ليلاً أو نهاراً وقع الطَّلاق، إلا أن يكون نوى النهار دون الليل، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فإن قال لها: أنت طالق رأس شهر كذا، أو غرة شهر كذا، أو عند دخول شهر كذا. وقع الطَّلاق إذا رُؤيَ هلال ذلك الشهر، فإن قال: عند انسلاخ شهر كذا، أو مضيه. وقع الطَّلاق عند رؤية الهلال للشهر الذي يليه. قال القاسم عليه السَّلام: فإن قال: إذا حبلت فأنت طالق. يرجع إلى نيته، فإن أراد بذلك/175/ أنه إذا علم بحبلها فهي طالق، لم تطلق حتى يعلم بذلك، وإن أراد أنها متى صارت حبلى طلقت، لم يجز له أن يطأها في كل طهر إلا مرة واحدة ويستبريء رحمها بحيضة. فإن قال لها: فإذا حضت فأنت طالق. وقع الطَّلاق إذا رأت دم الحيض. فإن قال: إذا حضت حيضة فأنت طالق. طلقت حين تطهر، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. ولو أن رجلا رأى طائراً فقال: إن كان هذا غراباً فامرأته طالق فطار الطائر ولم يعرف أنه كان غراباً أو غيره، لم يقع الطَّلاق، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فأما ما قاله محمد بن يحيى رضي اللّه في (مسائل العوفي) من أن الأحوط أن يطلّقها ثم يراجعها، فإنه محمول على الإستحباب. باب الرَّجْعَة من طلّق امرأته طلاقاً غير بائن فله أن يراجعها ما دامت في العِدَّة، من غير رضاها أو رضا وليها، ولا يحل له أن يراجعها على سبيل المضارة لها، وذلك أن يراجعها قبل انقضاء عدتها وحين يقرب انقضاؤها ، لا رغبة له فيها، ولكن يمنعها من التزوَّج. ولا رجعة إلا في العِدَّة، والرَّجْعَة تكون بالقول وتصح أيضا بالوطئ، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام. ولا يحتاج إلى أن ينوي الرَّجْعَة، تخريجاً، ويستحب الإشهاد في الرَّجْعَة وليست بواجبة، على مقتضى نص القاسم عليه السَّلام. والتَّقْبِيل والنَّظرمن شهوة بمنزلة الوطئ، على مقتضى نص محمد بن يحيى عليه السَّلام. ولو أن امرأة ادعت على زوجها بعد تطليقه لها بشهرينأنها قد حاضت ثلاث حيض وانقطعت عدتها، طُولبت المرأة بالبينة على ما ادعت، ويقبل في ذلك شاهدة امرأة واحدة إذا كانت عدلة وتُحَلَّف المرأة احتياطاً. قال أبو العباس: البَيِّنة تسمع على المدة التي تصح أن تحيض فيها ثلاث حيض، فيمكن فيها انقضاء عدتها دون رؤية الحيض، فإن لم يكن لها بينة، لزمها أن تتربص بالتزويج حتى يصح انقضاء عدتها، ولزوجها أن يراجعها في هذه المدة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإذا ادعى الزَّوج على المرأة التي طلّقها أنه راجعها قبل انقضاء عدتها وأنكرت المرأة ذلك، فعلى/176/ الزَّوج البَيِّنة، وعلى المرأة اليمين، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: إذا مضت من يوم الطَّلاق مدة يمكن انقضاء العِدَّة فيها والمرأة لم تقر بانقضائها وراجعها الزَّوج، ثم ادعت انقضائها، كان القول قول الزَّوج مع يمينه، وإن كانت أقرت بانقضاء العِدَّة، ثم راجعها، فالقول قولها مع حلفها؛ لأنها مُصدَّقة على ذلك فيما أمكن من مداها. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وعلى هذا إذا ادعى في حال العِدَّة أنه راجعها فهي رجعة منه، فثبتت الرَّجْعَة. قال رحمه اللّه: وإن راجعها الزَّوج بعد انقضاء العِدَّة بالوطء، وقال: ظننتأن العِدَّة لم تنقض، وجب عليه المهر. قال: ولو وطئها مراراً، وجب عليه مهر واحد، كما يلزم في الزِّنا على من وطأ المرأةمراراً، حَدٌ واحد، فإن وَفَّى المهر أولاً فأولاً أو قضى به حاكم عليه، فعليه لما بعده من الوطء مهرٌ آخر، كما نقوله في الرجل إذا زنا وحُدَّ ثم وطأ ثانياً. وانقضاء العِدَّة يتبين إذا عرف يوم الطَّلاق بإنقضاء شهور العِدَّة إن كانت العِدَّة بالأشهر، أو بالوضع إن كانت حاملاً، فأما الحيض فلا يُعلم إلا من جهتها. ولا فرق في الرَّجْعَة بين الْحُرّ والعبد، ولا بين الحُرَّة والأمَة، ولا بين وقوع الطَّلاق في الطهر والحيض، أو في طهرٍ جامعها فيه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وليس في الرَّجْعَة مهر ولا عوض، على قياس قوله. قال أبو العباس: وإذا خلا الرجل بامرأته، واغلق عليها الباب ولم يمسها، لم يكن ذلك رجعة، فإذا تصادقا لم يكن حصلت له عليها رجعة، وإن وجب المهر وجبت العِدَّة. قال رحمه اللّه: وإن راجعها الزَّوج وأشهد على الرَّجْعَة وهي لا تعلم، فقد أساء إن تعمد أن يكتمها إذا غرر بها، فإن نكحت بعد انقضاء العِدَّة غيره فُسخ نكاحها، وردت على الأول، ولها صِدَاق مثلها على الثاني إن وطئها. قال رحمه اللّه: وإن ارتدت المرأة فلا رجعة للزوج عليها، وحلت للأزواج بعد انقضاء ثلاث حيض؛ لأن الرِّدة - على أصل يحيى - توجب البَيْنُونَة، وهي تبين من زوجها بنفس الردة، ولا تصح رجعة المولى عن عبده، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
باب ما لا يقع من الطَّلاق وما يتصل بذلك
لا يقع طلاق الصبي بحال، ولا يقع طلاق المجنون في حال جنونه، فإن كان يفيق في بعض الأوقات، صح طلاقه في حال إفاقته، وكذلك القول في كل من لايعقل من مبرسم ومغمور، وأما السكران فقد أطلّق يحيى عليه السَّلام أن طلاقه جائز، وما حَصَّله أبو العباس من المذهب وخرجه من قول القاسم عليه السَّلام وحكاه عن أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه هو: أن السكران الذي زال عقله بالسكر فلا يعقل ما يتكلم به لا يقع طلاقه، وحمل ما أطلّقه يحيى على السكران الذي لم يزل عقله وتمييزه جملة، وهذا الذي نختاره. ولا يقع الطَّلاق قبل النِّكاح. ولا يقع طلاق المكره. قال القاسم عليه السَّلام في استحلاف الظلمة بالطَّلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أنه لا يلزم من أكره عليه. وقال فيمن أُكره على الحلف بالطَّلاق ألاّ يشرب مسكراً فشربه أنه لا يحنث. وبيع الأمَة لا يكون طلاقاً، ولابيع العبد، وإباق العبد لا يكون طلاقاً، هذا منصوص يحيى عليه السَّلام. وإذا طلّق الأب امرأة ابنه الصغير وقد زوجه إياها، لم يقع الطَّلاق. ولا يقع طلاق مولى العبد على عبده إلا بتوكيل العبد له بذلك، سواء كانت زوجته حُرَّة أو مملوكة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
باب العِدَّة وأحكامها
العِدَّة عدتان: عِدَّة إرتفاع النِّكاح، وعدة الوفاة. والمعتدة عن إرتفاع النِّكاح، ذات حيض، أو آيسة من الحيض؛ لصغر أو كبر. وذات الحيض: حائل، أوحامل. وعدة ذات الحيض إن كانت حائلاً بثلاثة أقراء، والأقراء هي الحيض، وتنقضي عدتها، ويبطل حكم مراجعة الزَّوج لها بأن تغتسل من الحيضة الثالثة. وإذا كانت حاملاً فعدتها مدة الحمل، وانقضاؤها يكون بالوضع، وتبطل رجعة الزَّوج عنده، ولا تحل لزوج آخر حتى تغتسل من نفاسها. وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، إذا كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً فآخر الأجلين من الوضع أو الأشهر. والمطلّقة قبل الدخول لا عِدَّة عليها، والمدخول بها على سبيل الخلوة التي توجب كمال المهر، عليها العِدَّة وإن لم تُجَامع إذا كانت تصلح للجماع /178/، فإن كانت لا تصلح للجماع استحب أن تعتد، وليس ذلك بواجب عليها.
خواجة
عدد الرسائل : 386 Localisation : morrocco تاريخ التسجيل : 31/05/2007
موضوع: رد: كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني الأحد 23 أغسطس 2009 - 12:30
وعدة المختلعة كعدة سائر المطلّقات. والمتوفى عنها زوجها عليها العِدَّة، سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول، كبيرة كانت أو صغيرة، ممن تصلح للجماع أو لا تصلح، وكذلك لا فرق بين أن يكون الزَّوج صغيراً أو كبيراً. ولا عِدَّة من نكاح فاسد، إلا أن يكون الرجل قد وطئها فيلزمها أن تعتد بالحيض، أو الأشهر إذا كانت آيسة، أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً، سواء كانت الفُرْقة عن موت أو عن تفريق بينهما. وإذا طلّق الرجل امرأته وهي حائض، لم تعتد بتلك الحيضة في عدتها. وإذا كانت المطلّقة حبلى، وفي بطنها ولدان أو أكثر، فانقضاء عدتها بأن تضع آخر ما في بطنها. والمطلّقة الحبلى إن أسقطت ما بانت فيه الخلقة فقد انقضت عدتها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإن كانت المطلّقة مستحاضة، فإنها تعتد بالحيض، وتتحرى وقته كما تتحرى ذلك لترك الصلاة والصيام. ولو أن صبية طُلِّقت بعد الدخول بها، فاعتدت بالأشهر، ثم حاضت وقد بقي من عدتها أيام، فإنها تستأنف العِدَّة بالحيض، ولا تحتسب بما مضى من عدتها بالأشهر، فإن حاضت بعد مضى ثلاثة أشهر فقد مضت عدتها. ولو أن ذات الحيض انقطع حيضها لعارض لم يجز لها أن تعتد بالأشهر، وعليها أن تتربص إلى أن يعاودها الحيض، فتعتد به أو تبلغ حد الأياس، وهو ستون سنة، فتعتد حينئذ بالأشهر، ويحل لها أن تتزوَّج. قال أبو العباس: فإن حاضت بعد الأياس أو ظهر بها حِبَل - وذلك يكون منهن ندراً - إعتدت بالحيض أو الحبل. قال: وإن حاضت حيضة فقط، ثم اعتدت بالأشهر للأياس، ثم حاضت، احتسبت بالحيضة الأولى، ويكوناعتدادها بالحيض. قال: وإن بلغت صبية خمس عشرة سنة، ولم تحض ووجبت عليها العِدَّة، فعدتها بالحيض أو تبلغ حد الأياس، فتعتد بالشهور، لنص يحيى عليه السَّلام على أن الشهور عِدَّة الصبايا والآيسات، لا البوالغ اللاتي لم ييأسن. والمتوفى عنها زوجها، تعتد من يوم يبلغها نَعْيه، ولا تحتسب بما مضى من وقت وفاته قبل ذلك. قال أبو العباس في المطلّقة، نحو هذا، وهو أنها تعتد من يوم/179/ يبلغها خبر طلاقها لا من يوم وقوعه. وعدة الأمَة كعدة الحُرَّة سواء كان تحت حُرٍّ أو عبد. وعلى زوجة المرتد أن تعتد عند إرتداده، وعدتها كعدة سائر النسوان، وكذلك الذمية إذا أسلمت أو طلّقها زوجها، عليها من العِدَّة مثل ما على سائر النسوان المسلمات من العِدَّة، والحربية إذا أسلمت ولحقت بدار الإسلام ولها زوج في دار الحرب، فعليها أن تستبرئ رحمها بثلاث حيض، ولا يجوز لها أن تتزوَّج قبل مضي العِدَّة. وإذا مات أحد الزوجين والمرأة معتدة من طلاق تجوز معه الرَّجْعَة، توارثا، سواء طلّقها في حال الصحة أو المرض، فأما المبتوتة وهي: من يكون طلاقها بائناً بأن تكون مختلعة أو غير مدخول بها أو مطلّقة تطليقة ثالثة ، فلا توارث بينهما سواء طلّقها في حال المرض أو الصحة، وسواء وقع الطَّلاق في حال المرض بمسألتها واختيارها أو ابتداء منه، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السَّلام، وهكذا ذكر أبو العباس. فإذا كانت البينونة بالردة، فالإرث ثابت بينهما ما دامت المرأة في العِدَّة، فإذا ارتد الزَّوج فقُتِلَ أو لحق بدار الحرب، فإن المرأة ترثه ما دامت في العِدَّة. قال أبو العباس: وكذلك إذا قُتِلت هي على الردة، أو لحقت بدار الحرب ورثها الزَّوج، فإن ارتد الزَّوج ولم يُقتل ولم يلحق بدار الحرب حتى حاضت المرأة ثلاث حيض، ثم قتل لم ترثه. وإذا بلغت الصبية خمس عشرة سنة ولم تحض، لم تعتد حتى تحيض، أو تبلغ ستين سنة فتعتد بالشهور، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. والمعتدة من الوفاة، يجب عليها الإحداد، ولا يجوز لها أن تَخْتَضِبْ، ولا تَطَيَّب، ولا أن تلبس ثوباً مصبوغاً، والمراد به صبغ الزينة، ولا تلبس حُلِياً لزينة، ولا تسافر سفراً، ولا تكتحل إلا عند الضرورة، ولا تمتشط مشطاً حسناً. قال أبو العباس: ولا تَدَّهن فيما ظهر وفيما خفي، إلا من وجع، وتعتد حيث شاءت من منزل زوجها أو منزلها. قال: ولها أن تخرج بالنهار ولا تبيت إلا في منزلها. والمعتدة من الطَّلاق إن كان طلاقها رجعياً فالمستحب لها أن لا تترك الزينة، وتتعرض لما يدعو زوجها إلى مراجعتها. قال يحيى عليه السَّلام: وينبغي للزوج/180/ أن يتحرز من النظر إلى شعرها وجسدها أو شيء من عورتها، وأن يؤذنها عند دخوله بالتنحنح لتتحرز وتجمع عليها ثيابها. قال أبو العباس: هذا إذا لم يرد مراجعتها، وأجمع على فراقها. فأما المبتوتة فإن أبا العباس الحسني رحمه اللّه كان يذهب إلى أنها يلزمها ترك الزينة، وكلام يحيى عليه السَّلام يَدُلّ عليه؛ لأنه لما أطلق في الأحكام أن المطلّقة لا يلزمها ترك الزينة، عَقَّب ذلك بأن قال: بل تزيد في الزينة ترغيباً لزوجها في مراجعتها، فاقتضى ذلك أنه حيث أطلق القول بأنها لا تترك الزينة، قصد به المطلّقة الرَّجْعِيَّة. قال أبو العباس في الصغيرة والذمية: لا حداد عليهما في العِدَّة، والمعتدة عن الطَّلاق الرجعي تعتد في منزل زوجها حيث طُلِّقَت. قال أبو العباس رحمه اللّه في المعتدة عن الطَّلاق الرجعي: لا تخرج من منزل زوجها ليلاً ولا نهاراً، فإن انتقلت إلى منزل آخر لعذر، كان عليها من المكث في المنزل المنتقل إليه ما كان عليها في الأول. وقال في المبتوتة: لا تنتقل من البيت الذي اعتدت فيه، إلا أن يكون البيت لزوجها فتنتقل. قال: ولها الإنتقال لعذر من سقوط منزل، أو خيفة سقوطه، أو إخراج صاحبه إياها منه لانقضاء مدة الإجارة، أو تعذر الأجرة، أو بيع زوجها له، هذافي عِدَّة الرجعي. قال: وإن وقع الطَّلاق في بيت من الدار، فلها البيتوتة في أي بيت شاءت إلا أن لا يكون لها إلا ذلك البيت فلا تخرج منه ليلاً ولا نهاراً. قال رحمه اللّه: وليس على المعتدة من نكاح فاسد شيء من ذلك، ولا على المُدَبَّرة، ولا على الأمَة، ولهما الخروج في حاجة مولاهما، فإن تركهما مولاهما لم يخرجا، على ظاهر إستدلال يحيى عليه السَّلام، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ . قال: وللصبية أن تخرج، وكذلك المشركة، وإن بلغت الصبية في بعض عدتها، أو أسلمت المشركة، لزمهما ما يلزم الحُرَّة المسلمة البالغة. قال رحمه اللّه: وإن طلّقها زوجها في سفر، وأقل السفر بريد، فيما نصه القاسم عليه السَّلام، فتعتد مكانها ولا ترجع إلى بيتها، فإن كان الموضع فيه خطر أو تعذر مأمن، والمأمن دون بريد، خرجت إليه واعتدت فيه، وإن كان بين منزلها وبين المأمن، أو بين الموضع الذي أرادت أن تسافر إليه/181/ بريد أو أكثر منه، فهي مخيرة، إن شاءت رجعت إلى بيتها، وإن شاءت خرجت إلى الموضع الذي أرادت أن تسافر إليه، وإن شاءت عدلت إلى المأمن، فإن كان ما بينها وبين منزلها أقل من بريد، رجعت إلى بيتها بكل حال، وسواء كان خروجها ابتداء لفرض الحج أو غيره، أحرمت أم لا. قال: ولا عِدَّة من نكاح فاسد، إلا أن يكون الزَّوج قد دخل بها وجبت العِدَّة. والموطوءة بالزنا لا عِدَّة عليها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السَّلام، وذكر أبو العباس أن الحامل من زنا لا يجوز نكاحها حتى تضع - عند يحيى - وأومأ فيه إلى تخريج غير واضح. قال محمد بن يحيى عليه السَّلام فيما حكاه عنه أبو العباس: خلوة العِنِّينتوجب العِدَّة. قال رحمه اللّه: وكذلك المسلول، وهو قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكذلك المجبوبغير المستأصل. وإذا تزوَّجت المرأة وهي في عِدَّة من زوجها عن طلاق أو وفاة أو رِدَّة، فدخل بها الثاني، فُرق بينهما وتستبرئ من ماء الثاني بثلاث حيض، ثم تبني على ما مضى من عدتها من الأول، ولا تتداخل العدتان. قال أبو العباس في المعتدة عن الطَّلاق: إذا كانت عدتها بالأشهر فطلّقها زوجها بعد أيام من الشهر، وكان الشهر تسعة وعشرين يوماً أكملت ثلاثين يوماً للشهر الأول، وتعتد الشهرين الآخرين على ما يُهِلان. وعدة أم الولد إذا أعتقها مولاها، أو مات عنها: حيضتان، والثلاث مستحبة في الوفاة، فإن كان مولاها أعتقها ثم تزوَّجها أو مات عنها، فعدتها كعدة غيرها من النِّسوان. والمطلّقة طلاقاً رجعياً إذا مات عنها زوجها وهي في العِدَّة، انتقلت عدتها عن عِدَّة المطلّقة إلى عِدَّة الوفاة، فتعتد أربعة أشهر وعشراً، وإن كانت بائناً كانت عدتها عِدَّة المطلّقة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. وإن كانت له امرأتان وقد دخل بهما، ثم طلّق إحداهما طلاقاً بائناً ومات ولم تُعلم المطلّقة منهما، وجب على كل واحدة منهما أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، فيها ثلاث حيض من يوم طلّقها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وإن انقضت ثلاث حيض قبل الشهور أكملت الشهور، وإن انقضت الشهور قبل ثلاث حيض استكملتها.
كتاب التحرير في الفقه لأبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني