قال الأستاذ الشريف سيدي أحمد ابن إدريس ذو المقام النفيس (أما بعد) :
نقول لكم إن بعض أصحابنا يقول إنه يرى النبي فهذه دعوى
والدعاوى مالم تقيموا عليها **** بينات اصحابها أدعياء
وفي الحديث لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، فإن اثبتم عليه ذلك ، فحينئذ يرد ذلك إلى الله ورسوله ، إن وجد قبل ، وإن لم يوجد ترك ، ولا نقدر مفروضاً ونتكلم عليه وقد كان عمر رضي الله عنه ، إذا سئل عن شئ لم يقع يقول دعوه حتى يقع وكان عمر إذا سئل عن مسألة ، يقول أوقعت ؟ فإن قيل له نعم جمع الصحابة رضي الله عنه فتكلموا فيها إن لم يعلم فيها شيئاً من كتاب أو سنة ، وإن قيل لم تقع ، يقول دعوها حتى تقع . ينزلها الله بمن شاء يعني فإن أنزلها لهم . فتح عليهم فهم حكمها من الكتاب والسنة . وكان يقول لعن الله من يسأل عمالهم يقع فلنا بهم أسوة . وأما قولكم يحصل منهم التمايل والرقص . فلا نعلم أن أحداً يتمايل تمايل السكران ويرقص . فإن في حضرة الحق الذكرية شغلاً عن اللعب فإن المؤمن يستحي من ربه أن يراه على حال غير مرضي عنده ، ونحن لا نقول به . بل حين بلغنا عنكم سابقاً ما بلغ قلنا لهم أتركوا الاهتزاز في الذكر مع أنا لا نعلم فيها نهياً عن الله ورسوله موافقة لخواطركم لكونكم ترون تركه سد ذريعة . وأما قولكم يعظمون المخلوق بغير ما شرع التعظيم له به فإن كنتم تريدون بذلك التقبيل فهو مشروع . وقد ذكرنا لكم أدلته فاعترفهم بها أمس وقبل هذا قد بينا لكم منها ما يسر الله فقبلتم الحق فهو سنة متبعة لا ينكرها إلا من لا يدري أدلتها إذا دري وعلم وجب عليه القبول وإن كنتم تريدون غير ذلك فلا وجود لشئ من ذلك عندنا حتى ننهي عنه والخضوع الذي هو مقصود للتعظيم ظاهر . ومن أهوى ليأخذ حاجته أو يصافح أخاه أو يساره فظاهر ولا يتمكن القائم مما ذكر مع القاعد إلا بالهوى وقد أهوى النبي على عثمان بن مظعون وهو ميت مسجي فقبله وقال له رحمك الله يا عثمان ما نلت منها ولا نالت منك ، ولا خصوصية في ذلك ، وقد أهوى عمر ليقبل رجل أبي عبيدة ، وأهوى مسلم ليقبل رجل البخاري ، فما فعلوا ذلك إلا ليروا الناس أن هذا ليس منهياً عنه ، وأما الذكر جهراً فوارد فيه أحاديث صحيحة ، والنهي عنه يحتاج إلى دليل . فإن الله يقول (وما نهاكم عنه فانتهوا) وفي الأحاديث من قال (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، في السوق بأعلى صوته ، كتب له ألف ألف حسنة ومحى عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة )، ومنها ما كان على عهد النبي ، حتى قالت الصحابة ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله إلا بالتكبير ، أي برفع الصحابة أصواتهم بالتكبير ، حين يخرجون من المسجد حتى تبلغ أصواتهم إلى أقصى المدينة ، ومنها أنهم كانوا يقولون عن أمر رسول الله
(اللهم لولا أنت) وفي رواية
والله لولا الله ما اهتدينا **** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا **** وثبت الأقدام إن لاقينا
ويقول ذلك صلى الله عليه وسلم ، والصحابة (بأعلى أصواتهم يقول هؤلاء ويجيب عليهم هؤلاء ، وغير ذلك ، ولم يقل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تذكروا الله جهراً إلا في هذه المواضع " والنهي عن ذكر الله تعالى من أبدع البدع ، فلا نقول به ، ولا نرتضي لمسلم أن يلقى الله وهو يصد الناس عن ذكر الله ، ولو لم تكن استدامة الجهر . فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى رجلاً يصلي يوم عيد بالمصلى فقال له ما كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له لو نهيته قال قد أخبرته وما أحب أن أنهي عبداً إذا صلى ، فكيف وقد ورد الترغيب في الجهر في الصحيح ، فمن معاذ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل :
(لا يذكرني العبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى ) ، وهذا هو الجهر فليس قوله في ملأ هو السر وإلا فلا فائدة في قوله في نفسه ، وأما القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، فهو تكذيب للقرآن . وقد ذكرتم أول الآية وهو قوله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) وجوابكم هو الذي تركتموه (إلا من ارتضى من رسول) فالرسول ليس من نفسه علم بل ما أظهره الله عليه اطلع عليه ، وأين أنتم من قوله (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حدياً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير) وأي غيب أعظم من هذا . وأي غيب أغيب من هذا ، ويلزم من هذا ففي جميع الشرع ، فإنه كله غيب جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه المسألة هائلة ، لا ينبغي لمؤمن أن يلج فيها ، فأنظروا ماذا تقر له ، فإن كنتم تريدون أنه لا يعلم شيئاً غائباً ، ولا يعلمه الله به أصلاً ، فارجعوا عن ذلك ، فإنه إذا علمه الله علم ، وإن كنتم تريدون أنه لا يعلم الأشياء كلها كما يعلمها الله ، فهذا كل مؤمن يقول به ، فما فائدة ذكره ، وأما أصحابنا فلا يدعي الغيب منهم مدع حتى ننهاه عنه ، وأما القول بما قال ابن العربي ، فإبن العربي وغيره ينظر في كلامهم ، فما كان حقاً قبل ، وما كان بالملأ وهي ، وهذا يستوي فيه حتى الكفار ، فإذا جاء الكافر بكلام حق قبل منه ، فإنه لا أكفر من إبليس ، ومع ذلك قال فيه الرسول للصحابي لما صدق أما إنه صدقك وإنه لكذوب ، ولما قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، قال له الحق (فالحق والحق أقول) يعني قلت الحق ، فأقول لك الحق ، وأما قول من قال بكفره ممن ذكرتم وغيرهم ، فهو وإياهم يقفون بين يدي ربهم ، وأما نحن فالذي يجب علينا أن نقول (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وال تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) (وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) إنما الواجب علينا التثبت في كلامهم ، ومن جملة ذلك الكلام في ابن العربي ، فاعلموا رحمكم الله ، أن ابن العربي من الناس من ذمه ، ومن الناس من مدحه وهم من أكابر العلماء ، يقر أولئك بجلالته عليهم ولا نرتكب مواقع الخطأ ولأن نسلك سبيل حسن الظن أحب إلينا ، فإن كان قد ذمه من ذكرتم فقد مدحه خلق أكثر ووثقه ونفي عنه ما نسب إليه جمع من العلماء والأولياء ومنهم الحافظ السيوطي ، وصنف فيه مصنفاً أسماه تنبيه الغبي في الذنب عن ابن العربي ، ومنهم القيصري والبرزنجي في مؤلف وابن جماعة وصاحب القاموس محمد بن يعقوب الفيروزابادي . حتى قال فيه بعد إطناب طويل
والله والله والله العظيم ومن **** أقامه حجة لله برهانا
إن الذي قلت بعض من مناقبه **** ما زدت إلا لعلى زدت نقصانا
وذكر الشعراني في مؤلف له أنه ترجم له جماعة بالصديقية الكبرى وأن جميع ما في كتبه مما فيه الإلحاد مكذوب عليه دسه [size=21]اليهود في كتابه الفتوحات . قال وقد وجدت النسخة التي له عليها خطه ، فلم أجد فيها شيئاً من ذلك فاختصرتها ، ونحن مسئولون عما نقول ، وهذه الكتب لم تتحقق أن جميع ما فيها من هذا الرجل ولا قرأناها على إنسان ، وهو قرأها على إنسان أوقفه على المراد منها ، وهكذا إلى أن تنتهي إليه ، بل هي كتب ننظر فيها بعين الإنصاف ، فما كان له شهادة الكتاب والسنة قبلناه ، وما رده الكتاب والسنة رددناه ، مع اعتقاد أنه لم يقله كما ذكر الشعراني ، فنبني على المحقق ونترك المكذوب ، وهؤلاء القائلون من العلماء بتكفيره وتضليله لو ثبت عندهم براءته ، وبلغهم ، وبلغهم ما بلغنا فيه ، لرجفوا عما قالوه ، وهم أولى بالرجوع ، فأنهم لم يكفروه إلا بما رأوا من الكلام المنسوب إليه ، ولم يجتمع به أحد منهم . فما حكموا إلا على المقالة ، لا على نفسه ، فهذا ظننا والله أعلم ونحن لا نقلد أحداً في دين الله . لا هو ولا غيره من العلماء ، إلا في النقل عن الله ورسوله فقط ، فتصدقهم في النقل خاصة ، وما قالوه من عند أنفسهم نرده إلى الله ورسوله . هذا ما يجب علينا مع كل من جاءنا بشئ من عند نفسه . (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) وما نحن معولون في شرع الله على رأي أحد ولا مكذبون للعلماء فيما ينقلونه إلينا عن الله ورسوله . فهذه حقيقة ما نحن عليه وإن اختلفنا في الوقت نرجع إلى الله ورسوله ، فوقت الصبح أوله حين يطلع الفجر إلى الأسفار . وأول العصر حين يصير ظل كل شئ مثله إلى أن تصفر الشمس وهو متفاوت في نفسه فينقسم إلى أول ووسط وآخر . والكل يطلق عليه أول
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن أن يصبر بعد الأذان بقدر ما يفرغ الآكل من أكله والمعتصر من حاجته . ثم يقيم فلابد بعد تحقق الوقت والأذان أن يصبر الناس من ذلك امتثالاً لأمر رسول الله ، ثم إذا دخلوا في الصلوات وأطالوا فلا بأس . صلى الصديق رضي الله عنه الصبح بالبقرة . قسمها في الركعتين . قال الصحابة حتى ترفنا الشمس فناداه عمر بعد أن فرغوا رحمك الله يا أبا بكر كادت الشمس أن تطلع . قال له لو طلعت لفتنا غير غافلين . وصلي عمر بآل عمران قرأ قراءة بطيئة حتى قال الراوي . لا أنسى قراء ألم الله لا إلا إلا هو الحي القيوم الخ وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب بالأعراف قراءة مفصلة ، حرفاً بحرف حتى لو يشاء السامع أن يعد حروف القرآن لعدها ، قسمها في الركعتين فلا شك أنه استغرق الوقت كله قطعاً ، فإن غابت وإخواننا فارغون عن شغل ، فما لهم عذر في تخفيف الصلاة وخطفها ، وقد كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقام ، فيذهب الذاهب إلى قباء ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى وفي رواية في الصلاة فإن تمادي الحال بالمصلي إلى استغراق الوقت كله ، فقد سمعت ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما ، ولا تحب أن ننقص عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تطويل الصلاة ، وما كان يخفف إلا لعارض كأن يسمع بكاء صبي فيخفف . ونحو ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأدخل في الصلاة أريد تطويلها فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمه) والتأخير عن الوقت معلوم . وأما تعليق ما يكتب فيه أسماء الله أو شئ من القرآن الذي تسمونه التمائم . فهو وارد جاء أبو دجا== إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجد في داره ما يخلفه فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً وأمره بتعليقه هناك ، فذهب ذلك . وكان ابن عمر يلقن أولاده من كان بلغ أوان التلقين . هذه الكلمات التي أخذها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يحسن الكلام منهم كتبها وعلقها عليه . وهي (أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) فقد أنهينا إليكم بعض الأدلة فيما ذكر . والله يتولانا وإياكم بالتوفيق ويجنبنا الزيغ عن الطريق ، والحق أظهر من الشمس في الظهيرة ، لمن كان له بصر وبصيرة ، ولا يتعامى عنه من كان طالبه ، ولا خير في الشر من القول . والله يحفظنا ظاهراً وباطناً من طوارق ما يسخطه علينا آمين آمين
قد انتهى من تبيضها تاليا لها امام السيد محمد شمس الدين الحنفي بن السيد محمد الشريف بن السيد عبد المتعال بن السيد أحمد بن ادريس – كل من الشيخ عبد الرحمن محمد صالح والشيخ إمام عثمان والشيخ عبد القادر عبده والشيخ عبد السميع أحمد امام بالقاهرة في يوم الاثنين 18 من شموال سنة 1354 الموافق 13 من يناير سنة 1936م والله سبحانه وتعالى يتولانا بلطفه ويجمعنا على حبه وحب نبيه الكريم والحمد لله أولا وآخرا
تقريظ
وهذه القصيدة لحضرة الفاضل الشيخ عبد السميع أحمد إمام الطالب بتخصص المادة الملحقة بكلية الشريعة من كليات الجامعة الأزهرية قالها في مدح سيدي أحمد بن إدريس رضي الله عنه
نوره النوبة لاح في تبيانه **** فمحى ظلام الجهل ضوء بيانه
كالشمس إلا أن مطلعها أتى **** غرباً فهل قد حان قرب أوانه
أو كالشهاب أضاء لكن (ماله) **** سلم الخلائق من أذى نيرانه
كيف الأذى من نبعة الهادي الذي **** شمل الأنام بعطفه وأمانه
والغرس إن طابت أرومته أتى **** خير الجنى ثمراً على أغصانه
قل للذي أحقاده اضطرت وقد **** ظهر الخفي على حصيد لسانه
ياذا الذي أكل العناد فؤاده **** واسود حقدا قلبه بدخانه
أقصر ولا تبغ المحال فإن ذا **** ميدان فضل لست من فرسانه
هذا شهاب الله سيف قاطع **** للمبطلين بحده وسنانه
(شمس) يرى بالقلب ساطع نورها **** لم لا تراه ، أأنت من عقيانه
ورد صفا للشاربين ومنهل **** يشفي عليل القلب من أدرانه
هذا تراث من هداه قد اكتسى **** ثوب الجمان وزاد في لمعانه
يهدي القلوب إلى الحقائق بعدما **** غلب الضلال بها لطول زمانه
أثر يدل على الكمال وحبذا **** شرف يجاوز في العلا لعنانه
ومنارة يأوى إليها كل **** مضطرب الفؤاد من السرى حيرانه
سر أذيع فذاع في طياته **** نشر وفاح المسك من أردانه
أبداه أحمد للورى لما رأى **** فجر الهداية لاح في إعلانه
يا أحمد الخيرات سرك في الحمى **** أقوى حمى شيدت ذرا أركانه
يأتى إليه السالكون لربهم **** يبغون في الظل من أفنانه
فالجأ إليه يزدك ربك نعمة **** وكرامة في الخلد من رضوانه
أمر بطبعة هذه المناظرة الحسيب النسيب السيد محمد الشريف الإدريسي حفيد سيدي أحمد بن إدريس وقد اختاره الله لجواره قبل تمام طبعها في يوم 29 يونيو سنة 1937 أفرنكية . تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته
إنتهى
[/size]
=purple]]عن موقع منتدى الحوار الإسلامي[/size]